بقلم : سامح فوزي
يفرق الاقتصاديون بين الاقتصاد الرسمى، وغير الرسمى، أى الفرق بين الاقتصاد المسجل، المعروف، المقنن، الذى تسدد عنه ضرائب، ويتمتع العاملون فيه بتأمينات اجتماعية، وضمانات وظيفية، سواء فى القطاعين العام والخاص، وبين الاقتصاد غير المسجل، الذى لا تعرف هوية العاملين فيه، ولا يتمتعون بحقوق وواجبات، وليس لهم سجل ضريبى، ويقدر العاملون فى الاقتصاد غير الرسمى بنحو ثمانية ملايين شخص، ويبلغ حجمه نحو 1.8 تريليون جنيه، أهم مجالات الاقتصاد غير الرسمى الأسواق العشوائية، مصانع بئر السلم، المقاهى، إلخ.
بالطبع تحرص الدولة على دمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى لعدة أسباب منها ضمان حقوق المواطنين العاملين فيه من ناحية، وتحصيل حقوق الدولة من ضرائب من ناحية أخرى، هذا فضلا عن ضمان معايير الرقابة والجودة، إلخ.
هذا كلام الاقتصاديين، وهو بالطبع صحيح ومقدر.
ولكن المسألة لها أبعاد اجتماعية لابد أن نضعها فى الاعتبار، أن العاملين فى الاقتصاد غير الرسمى هم نتاج طبيعى لعدة عوامل منها تردى مستوى التعليم الجامعى، ووفرة أعداد الخريجين الذين لا يجدون فرص عمل فى تخصصاتهم، وتحول الريف إلى مجتمعات طاردة للفائض البشرى من الشباب الذى يأتى فى معظمه إلى المدن بحثا عن فرص عمل، وانتشار الفقر مما يدفع أفرادا من الأسرة إلى العمل بشكل غير منتظم فى الاقتصاد غير الرسمى بوصفهم باعة، أو سائقى توكتوك، أو عمال، وغيرها.
تعد الأوضاع الاجتماعية للناس إشكالية كبرى فى الاقتصاد غير الرسمى، وإذا أردنا تجاوزها ينبغى تنظيم الأمور على نحو عقلانى، يحقق مصالح الملايين الذين يعملون فيه، ويرغبهم فى الانخراط فى الاقتصاد الرسمى، وتحمل تبعات العمل فيه. التعقيدات التى تظهر أحيانا فى العمل البيروقراطى اليومى فى مجالات عديدة هى سبب رئيسى فى الاقتصاد غير الرسمى مثل التقديرات الجزافية للضرائب أو ترصد موظفى المحليات، فضلا عما يمكن تسميته بشبكات الفساد التى تجمع عناصر من الجهاز الإدارى خاصة فى الوحدات المحلية، مع الذين يعملون على نحو غير رسمى، بحيث تصبح السمة الأساسية للمجتمع هى «غياب الترخيص»، هناك مقاهٍ وعيادات وأكاديميات ومصانع بير سلم ومواقف سيارات وأسواق، وعمارات غير مرخصة، كيف حدث ذلك؟ أين مسئولية الجهات الإدارية وبالأخص على المستوى المحلى؟ أليس هناك تواطؤ وفساد؟ من الذى يبلغ المقاهى والباعة المتجولين قبل الحملات التى تشنها الأحياء، أليس موظفون عاملون بها؟، ذكرنى ذلك برئيس حى قرر أن يشن حملات على المخالفين بعد أن تولى عمله، أرسل موظفا التقط صورا للمقاهى المخالفة ليلا، وفى الصباح شن حملة مكبرة، لم يجد أثرا للمقاهى ولا للمخالفات، لأن أصحابها أغلقوا أبواب محلاتهم، فسأل المحيطين به فقالوا له لا توجد مخالفات.
ما أريد قوله أن الاقتصاد غير الرسمى هو جزء من حالة عامة تحتاج إلى التعامل الجدى معها ليس فقط على الصعيد الاقتصادى، ولكن أيضا على مستوى الوضع الاجتماعى، وشبكات المصالح والفساد التى جعلت الاقتصاد غير الرسمى بهذا الثقل، وأحيانا التبجح على القانون ذاته مثل حالة المقاهى.