توقيت القاهرة المحلي 12:48:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التقليد الأعمى

  مصر اليوم -

التقليد الأعمى

بقلم - سامح فوزي

فى بعض المجتمعات الغربية يسير شاب بكاميرا فى الشارع، ويجرى مقابلات مع فتيات تبث على قناة «اليوتيوب»، وربما بعض القنوات التلفزيونية المحدودة. يدور الحديث حول أسئلة تبدو خاصة، لكن تسمح الثقافة هناك بطرحها، مثل هل سبق لك ممارسة الجنس؟ هل تفضلين ممارسة الجنس مع شخص مختلف فى اللون؟..... الخ، وغيرها من الأسئلة التى لا تبدو معتادة أو مقبولة فى مجتمعنا، لكنها عادية فى مجتمعات أخرى. للأسف، لاحظت فى الفترة الأخيرة على قناة اليوتيوب محاكاة ساذجة فجة فى المجتمع المصرى لهذا اللون من النماذج الإعلامية من خلال شخص يمضى بكاميرا يسأل الفتيات أسئلة خاصة، ليس بشكل مباشر، مثلما يحدث فى المجتمعات الغربية، ولكن بطريقة مفعمة بالإيحاءات الجنسية الفجة، وهو ما يمثل إعادة انتاج الابتذال الذى يسود الشارع فى شكل إعلامى.
تشكل هذه الممارسة الإعلامية امتدادا لاعتقاد متوارث هو الوله، والاعجاب الخفى والمستبطن بالمستعمر القديم، حتى إن لم يدرك المرء الظاهرة الاستعمارية ذاتها أو يعيش دروبها، ويعنى الاعجاب بالمتسلط، والمتفوق، والاعتقاد أن بلوغ التقدم الذى بلغه المستعمر يكون فى تقليده فى كل شىء دون تحقيق انجاز حقيقى.

عندما درست منذ سنوات ظاهرة المجتمع الاستهلاكى فى المجتمعات النامية، ومن بينها مصر، كان أحد الأسباب الرئيسية هو التقليد الأعمى لكل ما هو وارد من الغرب. وهو ما يسميه البعض ــ على سبيل التندر ــ عقدة الخواجة. ويعنى الاعتقاد أن بالإمكان أن نكون مثل الخواجة المتقدم إذا ارتدينا مثله، وتصرفنا على شاكلته، وتحدثنا مثلما يتحدث. وقد أدى ذلك إلى تمزقات نفسية حادة فى المجتمع، بين تيارات دينية سلفية ترى الماضى هو النموذج، وتستخدم الحاضر كأدوات لترويج التشدد، وبين متغربين، يرون أن التقدم يتحقق عن طريق محاكاة الغرب فى الصورة والشكل والموضة.
أظن أن الغرب أبدع منجزات حضارية مهمة يمكن أن نحاكيها، ونستفيد منها، ونتعلمها فى مجالات العلم، والفنون، وبناء المؤسسات الحديثة، ووسائل الاتصال الحديثة، واحترام حقوق الإنسان، والسياسات الاجتماعية والأهم، هو التفكير العلمى فى مواجهة المشكلات، والتخطيط السليم، وتطوير نوعية الحياة. إذا حققنا ذلك، قد نبلغ ما بلغه الغرب من تقدم، وقد نتفوق عليه، ولكن لن نتقدم أو نشابه الخواجة المتقدم إذا نقلنا عنه أشكالا من السلوكيات الاجتماعية، أو المظاهر الاستهلاكية، أو الممارسات الإعلامية، التى تعبر عن الفناء الخلفى للعمل الإعلامى الهاوى، الذى لا يقدم عمق وإبهار ومهنية الإعلام الغربى.
واقع الحال أن ما اتحدث عنه يمثل إشكالية تمتد لأكثر من قرنين من الزمن منذ لحظات الانبهار الأولى التى غلبت على المصريين عند مجىء الحملة الفرنسية، وسوف تظل مستمرة، طالما أن الغرب لا يزال متقدما، ونحن لا زلنا نعيش حالة تراجع ثقافى واقتصادى واجتماعى، ولن يكون الحل فى التقليد الأعمى للغرب، أو أن نتحول إلى سوق مفتوحة لمنتجاته التى تشفى غليل نفس تائهة بين الرغبة فى التقدم، والعجز عن تحقيقه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التقليد الأعمى التقليد الأعمى



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon