توقيت القاهرة المحلي 11:05:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التقليد الأعمى

  مصر اليوم -

التقليد الأعمى

بقلم - سامح فوزي

فى بعض المجتمعات الغربية يسير شاب بكاميرا فى الشارع، ويجرى مقابلات مع فتيات تبث على قناة «اليوتيوب»، وربما بعض القنوات التلفزيونية المحدودة. يدور الحديث حول أسئلة تبدو خاصة، لكن تسمح الثقافة هناك بطرحها، مثل هل سبق لك ممارسة الجنس؟ هل تفضلين ممارسة الجنس مع شخص مختلف فى اللون؟..... الخ، وغيرها من الأسئلة التى لا تبدو معتادة أو مقبولة فى مجتمعنا، لكنها عادية فى مجتمعات أخرى. للأسف، لاحظت فى الفترة الأخيرة على قناة اليوتيوب محاكاة ساذجة فجة فى المجتمع المصرى لهذا اللون من النماذج الإعلامية من خلال شخص يمضى بكاميرا يسأل الفتيات أسئلة خاصة، ليس بشكل مباشر، مثلما يحدث فى المجتمعات الغربية، ولكن بطريقة مفعمة بالإيحاءات الجنسية الفجة، وهو ما يمثل إعادة انتاج الابتذال الذى يسود الشارع فى شكل إعلامى.
تشكل هذه الممارسة الإعلامية امتدادا لاعتقاد متوارث هو الوله، والاعجاب الخفى والمستبطن بالمستعمر القديم، حتى إن لم يدرك المرء الظاهرة الاستعمارية ذاتها أو يعيش دروبها، ويعنى الاعجاب بالمتسلط، والمتفوق، والاعتقاد أن بلوغ التقدم الذى بلغه المستعمر يكون فى تقليده فى كل شىء دون تحقيق انجاز حقيقى.

عندما درست منذ سنوات ظاهرة المجتمع الاستهلاكى فى المجتمعات النامية، ومن بينها مصر، كان أحد الأسباب الرئيسية هو التقليد الأعمى لكل ما هو وارد من الغرب. وهو ما يسميه البعض ــ على سبيل التندر ــ عقدة الخواجة. ويعنى الاعتقاد أن بالإمكان أن نكون مثل الخواجة المتقدم إذا ارتدينا مثله، وتصرفنا على شاكلته، وتحدثنا مثلما يتحدث. وقد أدى ذلك إلى تمزقات نفسية حادة فى المجتمع، بين تيارات دينية سلفية ترى الماضى هو النموذج، وتستخدم الحاضر كأدوات لترويج التشدد، وبين متغربين، يرون أن التقدم يتحقق عن طريق محاكاة الغرب فى الصورة والشكل والموضة.
أظن أن الغرب أبدع منجزات حضارية مهمة يمكن أن نحاكيها، ونستفيد منها، ونتعلمها فى مجالات العلم، والفنون، وبناء المؤسسات الحديثة، ووسائل الاتصال الحديثة، واحترام حقوق الإنسان، والسياسات الاجتماعية والأهم، هو التفكير العلمى فى مواجهة المشكلات، والتخطيط السليم، وتطوير نوعية الحياة. إذا حققنا ذلك، قد نبلغ ما بلغه الغرب من تقدم، وقد نتفوق عليه، ولكن لن نتقدم أو نشابه الخواجة المتقدم إذا نقلنا عنه أشكالا من السلوكيات الاجتماعية، أو المظاهر الاستهلاكية، أو الممارسات الإعلامية، التى تعبر عن الفناء الخلفى للعمل الإعلامى الهاوى، الذى لا يقدم عمق وإبهار ومهنية الإعلام الغربى.
واقع الحال أن ما اتحدث عنه يمثل إشكالية تمتد لأكثر من قرنين من الزمن منذ لحظات الانبهار الأولى التى غلبت على المصريين عند مجىء الحملة الفرنسية، وسوف تظل مستمرة، طالما أن الغرب لا يزال متقدما، ونحن لا زلنا نعيش حالة تراجع ثقافى واقتصادى واجتماعى، ولن يكون الحل فى التقليد الأعمى للغرب، أو أن نتحول إلى سوق مفتوحة لمنتجاته التى تشفى غليل نفس تائهة بين الرغبة فى التقدم، والعجز عن تحقيقه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التقليد الأعمى التقليد الأعمى



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon