بقلم - سامح فوزي
زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى الشرق الأوسط كان من أبرز أهدافها حشد دول المنطقة فى مواجهة إيران، التى لم توقع بعد اتفاقا مع الولايات المتحدة يحيى الاتفاق النووى الذى وقعه الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2015، وخرج منه سلفه الرئيس دونالد ترامب عام 2018. أعطى بايدن تعهدا مكتوبا لإسرائيل بأنه لن يسمح بأن تكون إيران قوة نووية، بأى ثمن، بما فى ذلك استخدام القوة العسكرية. ثم ذهب إلى دول الخليج، راجيا النفط فى جانب من الزيارة، وأيضا تجييش دول المنطقة فى مواجهة إيران. بالفعل دول الخليج، وبالأخص السعودية والإمارات، الأكثر تضررا من السياسات الإيرانية فى المنطقة، واستهدفت منشآتها بالطائرات المسيرة الإيرانية، سواء كان مصدرها إيران ذاتها أو الحوثيين، إحدى أذرع إيران فى اليمن. ولكن دول الخليج لا تريد مواجهة إيران، بل أن تحتويها، وهى ليست على استعداد أن تكون فى نفس الخندق مع إسرائيل، القوة النووية الوحيدة فى المنطقة، فى مواجهة دولة الملالى التى تسعى بقوة إلى دخول النادى النووى، حتى لو أعلنت خلاف ذلك. مفاوضات سرية، صارت علانية بهدف التهدئة بين السعودية وإيران برعاية عراقية، فى ظل مصطفى الكاظمى رئيس الوزراء الذى يريد أن يعيد العراق طرفا إقليميا مؤثرا، ويواجه خصومه السياسيين بتوازن فى العلاقات مع إيران من جانب، والمحيط العربى الذى تنتمى إليه العراق من جانب آخر.
انتهت زيارة بايدن بمقابلة سعودية جافة، خاصة إذا قورنت بحفاوة استقبال ترامب الذى بدأ زياراته الخارجية رئيسا للولايات المتحدة بزيارة السعودية، ولم يحصل على الكثير، باستثناء طيران إسرائيل عبر الأجواء السعودية، وهو ما يحدث جزئيا بالفعل فى اتجاه البحرين والإمارات منذ توقيع الاتفاقات الابراهيمية، وبعض الاتفاقات العسكرية والتكنولوجية، فى انتظار اجتماع «الأوبك بلس» يوم 3 أغسطس لبحث زيادة انتاج النفط حتى يتم السيطرة على قفزاته السعرية.
جاء الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط فى زيارة إلى إيران، وهى أول دولة يزورها خارج الدول التى كانت سابقا جزءا من الاتحاد السوفيتى منذ اندلاع الحرب فى أوكرانيا. كل من روسيا وإيران تواجهان التصنيف الأمريكى بأنهما من الدول المنبوذة، وكلتاهما تخضعان للعقوبات الأمريكية، ليس هذا فحسب، بل تحملان رفضا تجاه حلف شمال الأطلنطى (الناتو)، ورغبة فى إيقافه فى أوكرانيا، بدلا من تمدده. اتفاقات نفطية واقتصادية عقدتها روسيا مع إيران، وهما يجمعهما تعاون وثيق منذ فترة طويلة، لا يجدى معه تسريب المخابرات الأمريكية بأن روسيا تحصل على طائرات مُسيرة إيرانية لاستخدامها فى الحرب فى أوكرانيا، لأن الولايات المتحدة ذاتها زودت أوكرانيا بأسلحة لها نفس الخصائص والاستخدامات، حسب تصريح مسئول إيرانى. وفى نفس الزيارة عقد بوتين اجتماعا مع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، العضو بحلف الناتو، بهدف تسهيل تصدير القمح المتكدس بملايين الأطنان فى أوكرانيا، وتعترض القوات الروسية خروجه إلى العالم الذى باتت قطاعات واسعة فيه تتضور جوعا.
أراد بوتين أن يرسل عددا من الرسائل المهمة للرئيس بايدن أهمها أنه لا يزال له مساحة حركة يواجه بها الحصار المفروض عليه، وهو لاعب رئيسى فى الشرق الأوسط، وكثير من الملفات لن يجرى تسويتها دون مشاركة منه أبرزها إيران وسوريا وليبيا، وكأن الدنيا تقترب أكثر فأكثر إلى مواجهات ممتدة، وأزمات متلاحقة أو اتفاقات تحمل انفراجه.