بقلم - سامح فوزي
استمتعت بحديث الدكتور على الدين هلال الأسبوع الماضى فى الندوة التى استضافها صالون الجبرتى بالمجلس الأعلى للثقافة لمناقشة الكتب الثلاثة للدكتور مصطفى الفقى «ذكرياتى معهم»، «شخصيات على الطريق»، «عرفتهم عن قرب». حديث ممتع جمع فيه بين الخبرة الشخصية مع المؤلف، والقراءة النقدية للكتب، والنظر فى التاريخ السياسى والاجتماعى فى مصر فى نصف القرن الأخير.
تناول الدكتور على الدين هلال فى حديثه عددا من القضايا المهمة، أبرزها استخدام مصطلح «مثقف الدولة المصرية» فى وصف الدكتور مصطفى الفقى، أى المثقف الذى يرى أن المجتمع تقوم عليه دولة قوية، تعنى بتقدمه ونهضته، ويرتبط بالدولة أكثر من ارتباطه بنظام بعينه. ورصد ثلاثة أعمدة أساسية لهذا المصطلح هى الإدارة العامة، أى البيروقراطية المصرية التى تمتد طولا وعرضا، القوات المسلحة، بكل ما تستدعيه من معانى الوطنية والدفاع عن الوطن، والوحدة الوطنية التى تجسد تجانس المصريين باختلاف معتقداتهم الدينية. وأشار أيضا إلى أن هذا المثقف يدرك معنى التعددية، فهو يعادى التنميط، ولا يرى الوطن لونا واحدا، بل يراه متنوعا فى المشارب، والمعتقدات، والمراتب الاجتماعية، الخ. وأضاف أن مثقف الدولة تعنيه قضية العدالة الاجتماعية، ولا يراها منفصلة عن الديمقراطية، فالحقوق تظل نظرية ما لم يمتلك أصحابها القدرة على التعبير عن مصالحهم، والإمكانات التى تؤهلهم لتحقيق ذلك.
أعاد الدكتور على الدين هلال الحديث عن التفرقة بين الدولة والنظام، وهو فرق أساسى وجوهرى، كثيرا ما أدى الخلط بينهما إلى إشكاليات سياسية وثقافية عميقة. الدولة باقية، والنظام متغير، والرهان الثقافى الحقيقى يكون على الدولة، ولعل هذا هو الفرق بين مثقف يظل مستمرا بعطائه، وانتاجه مهما تقلبت السياسة من حوله، وآخر يظهر ويخبو حسب ارتباطه بالحكم.
ما ذكره الدكتور على الدين هلال جاء فى إطار التعليق على الكتب الثلاثة الذى جمعته بالمؤلف خبرات ممتدة ما بين مدرج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، واتحاد الطلبة، ومنظمة الشباب، والحياة العامة، وغيرها، لكنه فى الواقع مس قضية مهمة المجتمع المصرى أحوج إليها وهى أن نرى المثقف الذى يرتبط بالدولة، يدافع عنها، وينتقد قصور أدائها بهدف تطويرها، ويسعى إلى الحفاظ عليها. هناك أسماء كثر أخرى تطرأ على الذهن مثل جمال حمدان، شفيق غربال، وليم سليمان قلادة، رشدى سعيد، اسماعيل صبرى عبدالله، إبراهيم شحاتة، ونزيه الأيوبى وغيرهم كثيرين ممن ارتبطوا بمشروع الدولة المصرية رغم تعدد مشاربهم السياسية، وسعى كل منهم أن يقدم رؤيته الخاصة للنهوض بهذا المجتمع. لم تكن «الايديولوجيا» عائقا أمامهم فى الارتباط بالدولة بعيدا عن الالتصاق بمشروعات سياسية محددة. هذه للأسف آفة قطاع من المثقفين وهى الارتباط بأجندات سياسية، وتوظيف المنتج العلمى والفكرى فى خدمتها حتى وإن تلبس رداء الموضوعية، والعلم المجرد. وقد رأينا ذلك عيانا جهارا طيلة السنوات الماضية، وأدت إلى توارى مثقفين كان من الممكن أن يكون لهم انتاج متميز لخدمة الدولة، ومشروعها فى التنمية، والاستقلال، والحرية.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع