أسوأ ما فى الدنيا أن نتداول مصطلحاً ونتحدث عنه كثيراً ثم نصنع منه قصصاً وحكايات دون أن نعرفه جيداً ولا نعرف دوره ولا وظيفته ولا أهميته ولا خطورته ولا مزاياه ولا عيوبه، ولا حتى تعريفه!
وفى السنوات الأخيرة، حتى قبل أزمة الحبوب الأخيرة، تداولنا فى مصر المصطلح المذكور وزاد الأمر بعد الأزمة بطبيعة الحال.. دون أيضاً تفصيل حتى من يذكرون الأرقام فى أحاديثهم -ونحسب أننا منهم- لا ولم تتح لهم الفرصة للحديث عن الموضوع بكل أبعاده ليس من قبيل الوعى بما يجرى فقط إنما أيضاً من باب التثقيف العام الذى نفتقد جوانب كثيرة منه..
ولكن تبقى نقطة مهمة للغاية وهى الوصول إلى أهمية أى شىء فى حياتنا يبدأ بمعرفته جيداً ومعرفة قدر الخسارة بخصمه من الحساب.. فما بالنا وأننا منذ سبع سنوات طرح الرئيس عبدالفتاح السيسى للمصريين مشروعاً قومياً لـ«الصوامع»؟! هنا تبدو الأهمية مضاعفة خصوصاً أن حياة الناس ترتبط به ومصالح الوطن العليا ترتبط به كذلك وأموال المصريين التى ستذهب لهذا المشروع المهم من حقهم دستورياً وموضوعياً وسياسياً واقتصادياً أن يعرفوا لماذا ينفق على هذا المشروع وما العائد منه؟!
ومن هذا المنطلق.. وفى اللغة الاسم «صومعة» والفعل «صمع» والمفعول «مصومع» وهى تختلف عن «صومعة» التعبد عند الرهبان، لكنها تعنى فى النهاية «جمع الشىء ورفعه ليكون له ذروة»! وفى التعريف الاصطلاحى «مكان لتخزين الحبوب»، ومن هذا التعريف نفهم أن الفلاح المصرى ومنذ القدم فهم أهمية الموضوع، طبعاً لنا فى قصة سيدنا يوسف عبرة مهمة.. لكن تعددت أشكال الصوامع عبر هذا التاريخ الطويل.. منها ما تم تسويره بأى سور وتجمع الحبوب ويجمع القمح تحديداً داخله.. وهذا النوع أكثرها فى الخسائر لأنه عرضة ليس فقط لعوامل الطقس وإنما أيضاً للحشرات وربما للقوارض!
أما فى الريف فكانت مخازن القمح من الطين الذى يتحول إلى غرف تخزين كبيرة لكن لم تكن هذه الطريقة قادرة على حماية القمح من الرطوبة ولا الحماية الكافية من الحشرات، لكنها كانت بالنسبة للريف الحماية المثالية للحبوب عموماً!
الصوامع والحديث منها ما بين مسطح ودائرى، لكن البعض يتصور أن الصومعة هى المبنى الأسطوانى المصمم من الحديد أو الصاج، لكن الدقة تعنى أن المكان كله مهما كان عدد الأسطوانات الحلزونية هو «الصومعة» التى تنسب للمكان الذى صممت فيه وكثيراً ما نراها بالقرب من محطات السكك الحديدية وذلك ليتيسر نقل الحبوب إلى المدن والمحافظات!
الصوامع الكبيرة التى يصل حجم تخزينها إلى ٦٠ ألف طن وربما ٨٠ أو ٩٠ ألفاً تعمل بالكامل آلياً ولذلك فهى مجهزة بالعديد من المزايا مثل الرافعات والناقلات وطبعاً المنظفات والمصنفات والمجففات.. المجففات لمنع الرطوبة.. بتسخين هواء الأسطوانة الضخمة التى نراها ونمرره فيها، ثم يأتى دور التجفيف بينما تسهم المنظفات فى طزاجة الحبوب.. ومن خلال الخلايا الإلكترونية مع الاهتزاز الآلى يتم فصل القشور لتكون الحبوب جاهزة للنقل ثم للاستخدام بعد استبعاد الحبوب الفاسدة ومخلفات العمليات السابقة!
إذاً نقف أمام عملية كبيرة تستحق العلم بها خصوصاً لو علمنا قيمة ذلك نقدياً! فبعض الصوامع تصل تكلفتها إلى ٣٠٠ مليون جنيه بغير قيمة الأرض ولا تكاليف التشغيل فيما بعد.
وعلينا أن نتخيل قيمة مشروع قومى يصل إلى ٥٠ صومعة تبنى وتصمم فى ١٧ محافظة تمتد من القنطرة شرق شمال سيناء، إلى شرق العوينات بأقصى جنوب شرق مصر مروراً بطنطا بالغربية ومنوف بالمنوفية وههيا بالشرقية ودمنهور بالبحيرة والصباحية بالإسكندرية وبنها بالقليوبية وبرقاش بالجيزة وقنا وبنى سويف والفيوم وبهنسا والشيخ فضل بالمنيا! كل ذلك من أجل إضافة القدرة على التخزين لـ١٫٥ مليون طن! الـ١٫٥ هذا هو حجم الزيادة فى القدرة على التخزين لأن هناك صوامع سابقة مملوكة للدولة وأخرى للقطاع الخاص تخزن ما يقرب من ١٫٦ مليون طن وبالتالى سيرتفع حجم التخزين إلى ٣٫١ مليون طن والمقرر أن يصل إلى ٥ ملايين طن!
هل هذا الرقم يكفى؟ نصل هنا إلى المفيد، ولذلك نقول إن هذا رقم التخزين فقط وهو استراتيجى يصل إلى عام وعام ونصف، ومع جمع حصاد الحقول المصرية يرتفع الرقم ليصل وفق مخطط هذا العام إلى ١٠ ملايين طن، وعندما نعرف أن استهلاك مصر من القمح الأعلى فى العالم ويتراوح من ١٨ إلى ٢٠ مليون طن (يستهلك المواطن المصرى من ٢٢٠ إلى ٢٣٠ كيلو قمح سنوياً بينما متوسط المعدل العالمى ٩٠ كيلو) لعرفنا قيمة الـ١٠ ملايين!
لكن عندما نعرف أن من ١٠ إلى ٢٠٪ وربما أكثر فى بعض التقديرات كان يُهدَر أثناء التخزين من عوامل الطقس والعطب وهجوم الطيور بل والسرقة، أى ما يصل إلى ٣ ملايين طن سنوياً.. وعندما يتجاوز الطن الواحد فى الأزمة الأخيرة الـ٤٠٠ يورو، لعرفنا قيمة الصوامع وأهمية هذا المشروع القومى الكبير!