بقلم - أحمد رفعت
كان الخيال على أقصاه فى الـ٤٨ ساعة الحاسمة الفاصلة بين الموعدين.. حتى إن مصرنا اليوم وبلا مبالغة رأيناها ونحن نسرح متمنين مرور المهلة بسلام..رأينا عودة الأمن إلى طول البلاد وعرضها، ورأينا -فيما رأينا- محطات الكهرباء فى كل مكان توفر الطاقة التى لا تكفى لإنارة البيوت والشوارع وإنما لحركة ماكينات المصانع، والتى لولاها ما دارت مصانع العبور والعاشر وبرج العرب والمدن الصناعية بالصعيد.. ولا استعادت مصر مصانع قها وسيماف وترسانة الإسكندرية وكيما أسوان وغزل قنا، ولا منظومة صناعة النسيج كلها، ولا أضفنا مدينة الدواء بالخانكة، ولا مدينة الغزل بالروبيكى، ولا مصانع النصر للكيماويات فى الفيوم وأبورواش والعين السخنة، ولا دارت مجمعات تكرير البترول فى الإسكندرية وأسيوط والسويس ومسطرد، ولا اشتغلت مصانع بنها للألواح الضوئية ولا سكر المنيا ولا تليفونات أسيوط ولا إلكترونيات بنى سويف!
طاف الخيال بعيداً وحلمنا -وقتها- بالطاقة فى كل مكان، وحلمنا بإعادة انتشار شعبنا على أرضه؛ فكانت العلمين الجديدة والمنصورة الجديدة وشرق بورسعيد والعبور الجديدة وسفنكس وقنا الجديدة وحدائق أكتوبر وملوى الجديدة وناصر بأسيوط والفشن الجديدة وجبل الجلالة ونجع حمادى الجديدة وغيرها وغيرها..
حلمنا بالطرق القياسية التى توفر السلامة والوقت والطاقة والأعصاب والراحة النفسية، ووصول المرضى إلى مشافيهم فى زمن معقول، ووصول سيارات الغذاء والمحروقات فى زمن مناسب!
حلمنا بتوزيع عادل للثروة لينال الريف المصرى حقه من الاهتمام.. بشراً وأرضاً.. بعد أن ذهبت ثروات البلاد إلى فئة بعينها استحوذت ومدنها وقراها السياحية وأحياؤها بمعظم اهتمام حكومات عهود الخمسين سنة السابقة فساءت أحوال الريف ومعيشة سكانه حتى كانت «حياة كريمة»، فجددت البنية الأساسية فى مناطق وأدخلتها بالكامل فى مناطق، ومعها الخدمات الصحية والتعليمية والبريدية والبنكية وأغلب الخدمات الحكومية، ومعها رعاية للإنسان ترفع الألم عنه فى مرضه أو فى جراحات يحتاجها جسده المنهك أو فى نظارة طبية أو أطراف صناعية أو فى منازل ليس بينها وبين الأمطار والريح حجاب، فسدت منافذ الصقيع والتراب والشمس، وحافظت الأبواب والنوافذ على خصوصيات الناس، وصولاً إلى زواج الفقيرات والفقراء ممن لا يملكون سبل الحياة الطبيعية، فجاءت العناية الإلهية تيسر للأيدى الحكومية توفير احتياجات زواج عفيف لهم ولهن!
واليوم، حتى بعيداً عن الريف، تصل ثروة الشعب إلى مستحقيها؛ خدمات فى الأحياء الشعبية وحاراتها الضيقة رصفاً وتطويراً بعد غياب سنوات وسنوات!
تلك المهلة التى منحت ليلة ٣٠ يونيو «لكل الأطراف» والتى حددت بالـ٤٨ ساعة ربما كانت وبجميع طرق الحساب أطول فترة زمنية مرت على شعبنا على الإطلاق..
بعد ثورة الشعب وخروجه من كل مكان يسترد وعيه.. يسترد إرادته.. يسترد وطنه.. فى أعظم عملية حشد جماهيرى تمت على كوكب الأرض استطاع فيها وفى زمن يعد قياسياً أن ينظم نفسه ويرتب صفوفه بما لا يقبل بخلخلتها ولا اختراقها ولا إعادتها إلى الوراء مهما بلغ إجرام الخصم وتهديده ووعيده، خاصة أن جيش مصر العظيم تعهد بحماية شعبه العظيم الذى ينتمى إليه والذى وجد لحمايته وحماية أرضه وحماية أمنه وأمانه.. خاصة أن معه شرطة مصر بأبنائها من ضباط مصر وجنودها، وقد دفعوا جميعاً ثمناً باهظاً جرَّاء ذلك.. نراه أثمن وأغلى وأطهر وأزكى ما قدم حماية لشعب وحفاظاً على أمة..
نقول والحال كذلك إن شهية شعبنا بلغت اتساعها وهو يرى ذلك.. ومرت الساعات بطيئة مملة تملؤها الهواجس ووساوس الشيطان، حتى حقق أبناء الجيش العظيم قرار شعبنا ليبدأ العمل فى كل اتجاه بلا كلل أو ملل كما يقولون بالصورة التى نقلنا أجزاء منها فى السطور السابقة..
الخلاصة: ليست الصورة قاتمة كما يحاول البعض تصويرها وتقديمها للناس.. الناس فى بلادنا تحققت أحلامها أو الكثير منها فى السنوات السابقة.. وليس معقولاً وتراكم المشاكل أكبر مما تخيلناه.. وتحالف الإرهاب والفساد والبيروقراطية والإهمال يضربون بلا هوادة فى كل مكان.. أن تؤجل أحلام وتتعثر أحلام.. لكن على الأرض الكثير منا سرح به خيالنا فى تلك الساعات بين يومين تاريخيين غاليين فى صيف ٢٠١٣.. ولا يصح اليوم وهى معنا وحولنا أن نلتفت لارتفاع الأسعار وحده ونتجاهل ما تحقق!
الصورة ينبغى أن ترى كاملة.. خصوصاً أننا نرى أمنيات كثيرة تتحقق لم يتيسر الحديث عنها كقانون التأمين الصحى.. كتنمية سيناء.. ولا يصح أن يوجهنا إعلام الشر لنردد خلفه خبثه وشره، ونهون من مشروعات الطرق، أو تبقى الصورة الذهنية القديمة للتأمين الصحى كما هى.. ولذلك نحترم وجع ارتفاع الأسعار عن فئات عديدة تئن ونئن معهم.. لكن لا يمنع ذلك أن نفرح بما تحقق وندعمه ونتحدث عنه ونتباهى به ونصر على استكماله.. عندئذ نكون بالفعل سحقنا إعلام الشر وكل مصادر الإحباط والبؤس واليأس!