بقلم - أحمد رفعت
موضوع المياه فى مصر يحتاج إلى الوعى به للتعامل معه.. وربما أنقذنا السد العالى من ضربات الجفاف التى تمت أكثر من مرة فى السنوات السابقة واستطعنا تعويض ذلك من خلال بحيرة ناصر، أكبر بنوك المياه فى العالم.. لكن ماذا لو لا قدّر الله تعرضنا لموجات من الجفاف فى المستقبل؟ وماذا لو طال الجفاف أكثر من قدرة استيعاب بحيرة ناصر؟! هل سنترك الشعب لمصيره؟! القيادة السياسية أجابت عن السؤال عملياً من خلال التعامل مع الموضوع وبجدية منذ ٢٠١٤.. وللتفاصيل نبدأ من الأول دون الدخول فى موضوعات فنية شديدة التعقيد والتفاصيل!
تحتاج مصر سنوياً إلى ما يقرب من ١١٠ مليارات متر مكعب من المياه.. بما يضعنا فى قائمة الدول التى تعانى ما يسمى علمياً بـ«الفقر المائى».. لكن ماذا تفعل مصر مع هذا الرقم الكبير، فى حين ما يصلها من مياه النيل وفق حصتها القانونية ٥٥ مليار متر مكعب؟!
فى الحقيقة تستكمل مصر هذا الرقم من خلال مياه الخزانات الجوفية، سواء فى الصحراء الغربية أو فى سيناء.. وكذلك مياه الآبار وقد توسعت فيها مصر كثيراً الفترة الماضية ثم مياه الأمطار ثم مياه محطات التحلية ومحطات المعالجة لمياه الصرف الثلاثة: الصحى والزراعى والصناعى!
حاصل كل ذلك يصل بالمتوافر من المياه إلى ٨٠ ملياراً، تتبقى الـ٣٠ الباقية تستوردها مصر من خلال استيراد السلع التى لو أنتجناها فى مصر لاستهلكنا كمية المياه المذكورة، مثل القمح وكافة الحبوب التى نستوردها، فضلاً عن اللحوم! وهى طبعاً كمية المياه المستخدمة فى المراعى لتوفير ٤٥٪ تقريباً من احتياجات مصر من اللحوم!!!
المهندس سيد إسماعيل، نائب وزير الإسكان، أعلن أمس الأول أن خطة الدولة لإضافة مليون متر مكعب من المياه يومياً تقتضى إنتاج محطة مياه الجبل الأصفر التى تنتج حالياً ٢٫٥ مليون متر، على أن المحطة ستنتج فى الأخير ٣٫٥ مليون متر مكعب لتتحول إلى أكبر محطات العالم وتخدم أكثر من ١٢ مليون مواطن يعيشون فى عدد كبير من أحياء القاهرة، منها: قلعة الكبش، السيدة زينب، الدرب الأحمر، الزيتون، المرج، القلج، الخصوص، السلام والنهضة، الزاوية الحمراء، الفسطاط، دار السلام، مصر القديمة، وسط البلد، جاردن سيتى، شبرا، روض الفرج، بولاق، الشرابية، المطرية، رمسيس، الوايلى، السكاكينى، العباسية والجمالية بما يؤكد حجم الفائدة التى تصل بنا إليها محطة صرف صحى واحدة!!
وتأتى محطة أبورواش كواحدة من أكبر محطات المعالجة على مستوى الجمهورية إذ تهدف إلى إنتاج ١٫٢ مليون متر مكعب إلى معالجة ثلاثية، فضلاً عن ٤٠٠ ألف متر مكعب من المعالجة الثنائية المطورة لتصل الطاقة الإجمالية للمحطة إلى ١٫٦ مليون متر مكعب يومياً!!
ولم يكن - بالطبع - اختيار محطة مياه بحر البقر فى بورسعيد كأكبر محطات معالجة المياه فى العالم مصادفة.. ولا تسجيلها فى موسوعة جينيس للأرقام القياسية الخاصة بمثل هذه المشروعات أيضاً مصادفة.. إذ إن المحطة تتعامل مع مياه الصرف لتقدم يومياً ٥٫٦ مليون متر مكعب من المياه النظيفة لتمكّن الدولة من تقديم حياة أفضل لمواطنى ٥ محافظات لا يقل تعدادهم عن ٢٠ مليوناً وكذلك توفر فرص عمل دائمة ومؤقتة بالآلاف، ثم فى استصلاح ٤٠٠ ألف فدان بالمشروع القومى لتنمية سيناء، لذا يستحق هذا المشروع، أو قل هذا الإنجاز، أن نتوقف عنده وعند مشروعات معالجة مياه الصرف كلها!
يتبقى أن نعرف أن 198 مشروعاً لمياه الشرب والصرف الصحى فى المدن والمناطق الريفية تحت الإنشاء، كما انتهت الحكومة من أكثر من ٦٠ مشروعاً فى الثلاث سنوات السابقة فقط فى محافظات الصعيد وحده، كل ذلك من أصل ٤٨٠ مشروعاً تستهدف الوصول بإجمالى المياه المعالجة إلى أكثر من ١٦ مليون متر مكعب يومياً وإذا ضربت فى ٣٦٠ يوماً هى أيام السنة لوصلنا من المعالجة إلى ما يزيد على ١٠٪ من كمية المياه التى تصلنا من النيل!!
وهكذا مع حاصل إنتاج محطات تحلية مياه البحار الموجودة طبعاً فى المدن الساحلية على البحرين المتوسط والأحمر لأمكن تأمين مصر عند أقصى احتمالات غضب الطبيعة سوءاً.. وبالتالى لن تكون هناك أزمة كبيرة لو حدثت فى المنطقة أية أزمات جفاف جديدة!
المياه - يا سادة - ليست مشاريع أسمنتية تُرمى فى مكانها والسلام.. إنما ارتباطها الأساسى بالأمن القومى المصرى الذى ينبغى أن يكون دائماً وحاضراً فى كل الخطوات الوطنية.. مشاريع مهمة كانت أو قرارات!!