ماذا سيحدث لو ذهب أحدهم وهو يحمل فيروس المرض إلى محطة قطارات القاهرة باب الحديد أو رمسيس أو محطة قطارات الجيزة.. مر من الأبواب الإلكترونية بزحامها المحدود من أجل النظام والتفتيش ثم ذهب إلى شباك التذاكر ووقف فى طابور من بين عدة طوابير حتى بلغ دوره وتسلم تذكرته ثم ذهب إلى حيث ينتظر القطار، حيث غيره ينتظرون ثم جاء قطاره واستقله وجلس إلى مقعده.. لو قطارات الدرجة الأولى أو الثانية المكيفة سيكون العدد المتوقع بالعربة إلى حدود الستين شخصاً وإن كانت العربة من الدرجة الثالثة فالعدد المحتمل قد يصل إلى المائتين، وفى كل أنواع الدرجات سيغادر الكثيرون منهم العربة إلى محطاتهم ومنها إلى عائلاتهم ومنها فى وقت لاحق إلى أعمالهم ومصالحهم ودور عبادتهم!!
السؤال فى المثال السابق: حامل العدوى التقى كم مواطناً؟ وإلى كم مدينة وقرية انصرف من نقلت إليهم العدوى أو المحتمل أن تكون نقلت إليهم العدوى؟ المثال السابق نذكره لنقول شيئاً واحداً إننا لنا أحوالنا وخصوصيتنا، وهى كلها لم يتسبب فيها ويخلقها الحكم الحالى فى مصر بل إمكانيات محدودة مع سوء تخطيط سابق يجرى إصلاحه الآن وبكل قوة، لكن قبل أن يكتمل الإصلاح حل فيروس «كورونا» ضيفاً ثقيلاً علينا وعلى المجتمع الدولى!
أثناء ذلك تخوض وزارة الصحة برجالها ونسائها، بطبيباتها وأطبائها حرباً حقيقية، يواصلون الليل بالنهار، تنتقل فرق الوزارة من مكان إلى آخر ربما أكسبتهم تجربة الـ«100 مليون صحة» خبرة كبيرة فى العمل الميدانى، سهل عليهم مهمتهم الحالية الطارئة، لكن يحدث ذلك بمجهود خرافى، علينا أن نقدره وبالتالى ففرص انتشار المرض لا قدر الله كبيرة، رغم هذه الجهود، وهو ما لا ينتقص منهم ولا مما يؤدونه، لكنها ظروف بلد هذه قدراته الحالية، وحال شعب لم يحصل على إعلام مناسب ولا تعليم مناسب لأكثر من أربعة عقود، ما أثر على سلوكيات عديدة أغلبها خاطئ وخطر!
يمكننا على المنوال نفسه أن نضرب أمثلة عديدة تجرى أمام أعيننا يومياً، لعل محطات المترو والمترو نفسه ومكاتب البريد فى أثناء صرف المعاشات أو غيرها ومكاتب التموين وتجمعات مكاتب الأحوال المدنية والمقاهى والمطاعم المغلقة ودور السينما ودور العبادة واستقبال المستشفيات وسيارات النقل العام وسيارات الأجرة بين المحافظات وداخل المدن وغيرها وغيرها.. كل ذلك سيشكل عبئاً فى حال انتشر المرض أو تزايدت أعداد المصابين به.. ورغم أنه مرض سهل الشفاء منه والتعافى سريعاً إلا أن أزمته الحقيقية فى سرعة انتشاره وفى كمونه دون أى أعراض فترة من الوقت.. ومن هنا تأتى الخطورة، ليس على صحة أبناء شعبنا فحسب وإنما على اقتصاده وخطط التنمية به.. ولما كان الهم هم الكل يستحق أن نفكر فيه معاً.. لذلك علينا وفوراً اتخاذ القرارات التالية مهما كانت مؤلمة ومهما تضرر منها البعض، إذ إنها من أجل الحفاظ على صحة المصريين أولاً.. وهى مؤقتة ثانياً.. وهى مؤقتة حتى يقرر الله أمراً كان مفعولاً.. إما التوصل إلى لقاح أو مصل وإما التوصل إلى علاج.. أو كلاهما معاً.
إغلاق دور السينما وحتى إشعار آخر، وهى ليست أهم مما ألغى من مؤتمرات ومهرجانات.. تقسيم العمل فى الوزارات الخدمية على أكثر من «شيفت»، يتولى كل شيفت منهم عدد من الموظفين يمنحون ذات الصلاحيات بذات التوقيعات والأختام ليمتد العمل إلى 16 أو حتى 14 ساعة يومياً لمنع التكدس، وفى كل الأحوال تقوم هذه المصالح بتقديم التنبيهات الصحية المطلوبة لروادها، وفى كل الأحوال يحظر الدخول إليها بغير الكمامات الصحية التى يتم توفيرها بكافة الطرق أمام هذه المصالح الحكومية!
صدور قرارات عاجلة بتطبيق غرامات فورية لكل مخالف للنظام العام والنظافة، سواء بإلقاء مخلفات على الأرض، طالبنا به قبل إقرار القانون الأخير للمرور أو عفواً البصق على الأرض أو عدم استخدام الاحتياطات المطلوبة فى السعال والعطس، ولن يحتاج الأمر إلا أسبوعاً لتطبيق ذلك دون تهاون، بعدها سينضبط الحال بنسبة كبيرة جداً، يمكن البناء عليها وتطويرها لإعادة صياغة سلوكيات الكثيرين!
منع الشيشة فوراً من المقاهى وكافة الأماكن المسموح لها بذلك.. زيادة عربات القطارات وتعقيمها فى المخازن ووضع خطة لإنزال أى مواطن مشتبه به فى أى محطة فوراً، مع وضع الإرشادات الخاصة بالسلوكيات على أماكن الإعلانات بالمحطات وفى الإذاعات الداخلية.. الأمر نفسه بمترو الأنفاق!
كل ما سبق يحتاج إلى مرونة تتغلب على البيروقراطية التى تحكم الجهاز الإدارى المصرى منذ عشرات أو حتى مئات السنين.. وبالتالى هى فرصة للتغلب عليها ولو مؤقتاً، فمثلاً.. ورقة مطلوبة من مواطن أو من موظف ويمكن التغاضى عنها أو تأجيلها فليس ضرورياً أن نجبر هؤلاء على السفر لإنجازها أو الانتقال من مكان إلى آخر للحصول عليها!
فتوى من دار الإفتاء تعفى الشيوخ والمرضى بأمراض مزمنة كالسكر والقلب والضغط والفيروسات الأخرى وأصحاب المناعة الضعيفة ومن يعانون من نزلات البرد العادية والسعال من صلاة الجماعة، عملاً بالقواعد الفقهية الشهيرة «درء المفاسد مقدم على جلب المنافع»، و«لا ضرر ولا ضرار»، و«ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، وإن أمكن فتوى تجيز صلاة الجمعة بصلاتين متتاليتين، فليكن إن أباحت ذلك جهة الإفتاء الرسمية.. وما ينطبق على المساجد نأمله فى الكنائس!
ليست القصة إذن قصة المدارس والجامعات وحدهما.. وإن كان تعطيل الدراسة بهما واللجوء إلى استكمال ما تبقى إلكترونياً وتأسيس مجموعات على «الواتس آب» أو صفحات على «فيس بوك» لكل فصل مدرسى أو «سيكشن» جامعى أولى وأهم!
هذا وطننا وهذا شعبنا وحقنا جميعاً أن نفكر فى حمايتهما!
a