بقلم - أحمد رفعت
فى دراسة بعنوان «أهمية دور النقل كقاطرة للتنمية» أشرفت عليها أكاديمية البحث العلمى يقول فيها المهندس إبراهيم الدميرى، خبير النقل الشهير، وزير النقل الأسبق، إن إجمالى عدد قتلى حوادث الطرق فى مصر بلغ عام 2016 (عام دراسة الحالة) 15 ألف قتيل و60 ألف مصاب! الرقم الكبير لا يعنى كما تقول الشائعات إن مصر الأولى فى حوادث الطرق بل طبقاً له وطبقاً للدراسات العالمية المتخصصة تحتل المركز ١٠٨ من بين ١٨٥ دولة فى ترتيب الدول لحوادث الطرق!! الرقم أعلاه ليس رقماً مجرداً.. إنما رقم كاشف وله دلالات عديدة، إذ تكمل الدراسة المذكورة أرقامها وتفاصيلها وتقدم لنا رقماً مرعباً لخسائر مصر من سوء أحوال الطرق المصرية التى كانت عليها حتى تاريخ الدراسة فتؤكد أن خسائرنا منها تصل إلى ٤٢٨ مليار جنيه!
الرقم الصادم له ثلاثة أسباب رئيسية أولها تكلفة الوقت المهدر للمواطن المصرى، سواء كان موظفاً حكومياً أم لا، لكنها قيمة ما يعادله الوقت من كافة عمل..وثانيها تكلفة الوقود المستهلك بسبب الازدحام المرورى الذى يهدر طاقة هائلة فى الزحام بلا أية فائدة، بينما كان السبب الثالث هو تكلفة حوادث الطرق! الدراسة أكدت أن إجمالى خسائر مصر من التأخير بلغ 84 مليار جنيه، حيث احتلت القاهرة المركز الأول بـ47 مليار جنيه والإسكندرية فى المرتبة الثانية بـ12 مليار جنيه، وكان المتوقع أن يصل إجمالى الخسائر تحت هذا البند وحده إلى 135 مليار جنيه فى 2030 إذا كان قد استمر المعدل كما هو دون التدخل الذى جرى!
الدراسة تقول -الدراسة وليس كلام التواصل الاجتماعى والهمبكة السياسية والإنشاء- إن إجمالى الخسائر المباشرة -المباشرة وحدها- يصل إلى ١٧٥ مليار جنيه سنوياً!!! والباقى خسائر غير مباشرة، منها مثلاً تأثير الزحام على الهواء وارتفاع نسبة التلوث الذى يؤدى إلى ارتفاع مخصصات مواجهته وبالتالى إلى خسائر أخرى!! ما لم تقله الدراسة إن وزارة البيئة ليست وحدها التى تتكبد هذه التكلفة وتلك الأعباء.. إنما معدلات زيادة عدد من الأمراض المرتبطة بالتلوث، خصوصاً الأمراض الصدرية توضح كلفة وزارة الصحة أيضاً التى يذهب جزء كبير من إنفاقها على المرضى لمواجهة ذلك مع كافة الأمراض الناتجة عما يسمى بالشوارد الحرة التى تؤدى إلى الأكسدة داخل جسم الإنسان ومنها إلى أمراض بالكلى والكبد!!
وهناك خسائر -مثلاً- تتحملها ضمناً وزارة الزراعة التى تتحمل عبء ومواجهة أثر التلوث على المنتجات والمحاصيل الزراعية!!
على كل حال لو توقفنا عند إجمالى الخسائر المقدرة وفقاً للدراسة وعلى تعداد سكان وأرقام ٢٠١٦ وهو ٤٢٨ مليار جنيه أو عند خسائر الطرق المباشرة المقدرة بـ١٧٥ مليار جنيه لأدركنا أن مبلغ الـ٢٩٥ ملياراً المقرر فى ثمانى سنوات للطرق فى مصر بين طرق جديدة وإصلاح طرق قديمة أقل من الخسائر المباشرة لعامين ونصف العام تقريباً. وبالطبع ذلك لا يعادل حجم أعمال وطموحات وأحلام المشروع القومى للطرق المقرر فيه إنشاء 7000 كيلومتر طرق جديدة، منها 2600 كيلومتر فى الصعيد ليصل مجموع طول الشبكة إلى 30 ألف كيلومتر منها 12600 كيلومتر فى الصعيد وحده وكذلك رفع كفاءة 10000 كيلومتر طرق رئيسية، منها 4000 كيلومتر فى الصعيد وحده أيضاً! كلها ستؤثر إيجاباً فيما ذكرناه سابقاً من مشكلات وأزمات مزمنة وتاريخية!!!
السطور السابقة كانت لتناول بصورة عامة، وبغير الدخول فى أية تفاصيل، الطرق البرية فى البلاد.. ولم تزل هناك طرق عديدة بين القرى وبعضها وبينها وبين مدنها وعواصم محافظاتها تحتاج إلى مخصصات إضافية!!
ومع ذلك لم نتطرق إلى كافة أفرع قطاع النقل وهو واحد من أكبر القطاعات فى مصر.. فمثلاً لم نناقش ما يجرى من تطوير لموانئ مصر وهى عديدة بين تجارية ومتخصصة ولا للنقل النهرى الذى أهمل طويلاً ولا للطيران وبه وفيه أبعاد أخرى، حتى لو يتبع وزارة أخرى غير النقل وكذلك مشروعات الجر الكهربائى (مترو وقطار كهربائى ومونورويل) ولا حتى طبعاً العبء الكبير جداً المسمى بسكك حديد مصر، هذا المرفق الحيوى بتعداد موظفيه وعدد محطاته وعدد قطاراته وهو وحده يحتاج إلى مقال مستقل لتبيان أهميته وأعباء إصلاحه وتطويره! ولذلك.. فهذا الجهد الكبير لا يصح التعامل معه بصيغة إعلام الشر «كل حاجة طرق» و«إحنا هناكل طرق»!! إذ إن ذلك استخفاف بقضية شديدة الأهمية والجدية لا ترتبط كما رأينا فقط بالطاقة ولا أرواح الناس وأمانهم، إنما أيضاً بأكل عيشهم ومستوى معيشتهم وراحتهم! الرد الحقيقى على هذه الدعاوى يجب أن يأتى من خلال المواطن المصرى، المستفيد الأول مما يجرى، بل يتم كله من أجله ومن أجل فتح شرايين التنمية ليعمل ويعمل غيره وتنتعش حركة وعجلة الاقتصاد، وتنطلق شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً.. لتصنع مستقبلاً أفضل لهذا الوطن ولشعبه.. يستحقه ويستحقونه!