بقلم: أحمد رفعت
«الإخوان» عدو جمال عبدالناصر الرئيسى.. لم يكن الرجل فاسداً ولا مطعوناً فى خلقه.. فلا نساء ولا خمر كما قالت المخابرات الأمريكية.. ولم يتوقف لحظة عن البناء من أول لحظة فى ثورة يوليو إلى رحيله.. حتى شهدت مصر أكتوبر 54 إنتاج المصانع الحربية أول رصاصة مصرية.. قناة وأعادها.. أموال مصرية منهوبة ومجمدة بالبلطجة البريطانية والفرنسية أعادها بقرارات تمصير المصالح والبنوك الأجنبية.. القناة أعادها، والسد العالى بناه، والصناعات الثقيلة انطلق فيها من الحديد والصلب، إلى السيارات فى رمسيس والنصر.. ومن النصر للتليفزيون، إلى تليمصر للتليفزيون أيضاً.. ومن مصر العليا للغزل والنسيج، ومصنع غزل فى كل محافظة بالصعيد، إلى الغزل فى دمنهور وكفر الدوار.. والكيماويات من سماد أبوزعبل، إلى كيما أسوان، إلى سماد طلخا.. ومن ترسانة الإسكندرية للصناعات البحرية، إلى «سيماف» وصناعة عربات القطارات.. ومن زيوت طنطا للكتان، إلى بسكو مصر ومصر للألبان وراكتا للورق.. ومن مفاعل إنشاص، إلى مشروع الصواريخ الجبار، إلى أول طائرة مصرية «حلوان 300» كمقاتلة مدهشة وليست طائرة تدريب كـ«القاهرة 200».. ومن الوادى الجديد، إلى مديرية التحرير، ومن مدينة جمصة، إلى مدينة المعمورة الشاطئ.. ومن جامعات فى كل مكان، إلى أكاديمية الفنون والثقافة الجماهيرية، إلى التليفزيون، إلى كورنيش النيل، إلى برج القاهرة، إلى مسرح البالون، إلى السيرك القومى، إلى مسرح العرائس، إلى التأمين الصحى الأول، إلى معهد القلب، إلى مركز تيودور بلهارس بشكله العلمى المعاصر، إلى استاد القاهرة، إلى غزل دمياط، إلى مضاعفة عدد المدارس لتصل إلى كل مدينة ليكون التعليم متاحاً قريباً لا مسافات بعيدة للوصول إليه.. إلى مجانية كاملة، إلى تكافؤ فرص مطلقة لا نفوذ لثروة ولا لطبقة.. ليجمع بين بناء الوطن والإنسان، ثم يذهب لبناء دولة عصرية حديثة من المخابرات العامة، إلى الرقابة الإدارية، ومن المركزى للمحاسبات، إلى المركزى للتعبئة والإحصاء، إلى المركزى للتنظيم والإدارة، إلى مراكز البحث العلمى، إلى الدستورية العليا، إلى كاتدرائية العباسية، إلى الإذاعات المتخصصة، القرآن الكريم فى مقدمتها، إلى الإذاعات الموجهة لمخاطبة الأشقاء الأفارقة.. وهكذا انطلاقات جبارة فى كل المجالات ليتغير شكل مصر تماماً فى عهده مستعيناً بأبرع الكفاءات على خلاف ما زعموا فى الاستعانة بأهل الثقة.. فكان أبوالصناعة المصرية الدكتور عزيز صدقى، وكان أبوالإعلام المصرى الدكتور محمد عبدالقادر حاتم، وكان الدكتور النبوى المهندس أبوالصحة المصرية، وكان الدكتور ثروت عكاشة أبوالثقافة المصرية، وكان الدكتور رمزى استينو فى التموين، وهو من أسس الأبنية الأساسية للجمعيات التعاونية المصرية كلها!
ثم يأتى «السيسى» ليفجر طاقات المصريين فى مشروع قناة السويس الجديدة مبرزاً استجابتهم لنداء الوطن فجمعوا له الأموال وحفروا معه القناة، ثم انطلقوا للبناء الثانى للوطن بأيدى المصريين ولهم.. وفى زمن قياسى تتحقق أحلام مؤجلة كانت فى حدود المستحيل من تعمير سيناء وزرعها بالمشروعات وتتغير إلى القابلية للحياة تمهيداً لزرعها بالبشر فتكون الأنفاق وتكون الطرق وتكون المدن وتكون المصانع وتكون المطارات وتكون مياه الشرب والرى.. ويتحقق حلم النووى المصرى المؤجل لتستقبل مصر طاقة إضافية والأهم خبرات المجال نفسه الذى تجمد فى مصر منذ فترة طويلة.. ويتحقق حلم الجيش الأقوى.. وتكون مصر فى أى تصنيف عسكرى وتمتلك الرافال والميسترال والفريم والإس 300 والشيلكا وفرقاطاتها التى صنعت هنا.. فى ترسانة الإسكندرية.. التى أعيد تأهيلها وليس بيعها مع حلوان للصناعات الهندسية وسيماف وقها وكيما أسوان وغيرها وغيرها، ويضاف إليها مصانع شركة النصر بالفيوم وأبورواش ومجمع بتروكيماويات الإسكندرية.. وتنطلق مصر فى الصحراء تبنى العاصمة الجديدة وتغير وجه الحياة والجغرافيا بل والمنطق فى جبل الجلالة.. ثم إلى رفح الجديدة والمنصورة الجديدة والسلام الجديدة والعلمين وقنا وتوشكى وناصر بأسيوط وغيرها.. ثم يفتح ملف التعليم، وملف الخطاب الدينى، وملف الفساد واستغلال النفوذ، ومعها ملف الإنسان المصرى من مؤتمرات الشباب إلى المبادرات الرئاسية كلها من 100 مليون صحة، إلى زرع القرنية، إلى زرع القوقعة، إلى زرع الكبد، إلى إنهاء قوائم الانتظار، إلى برامج المرأة المصرية، إلى ذوى الاحتياجات الخاصة، إلى «تكافل وكرامة» وما يشمله من برامج للنهوض بالمرأة والأسرة خلاف الدعم النقدى المقدم فيه.. إلى شبكة طرق عصرية حديثة توفر الدم والمال والجهد والوقت! مع سمعة شخصية طيبة أيضاً!
«عبدالناصر» و«السيسى» تسلما مصر فى ظروف قاسية وصعبة.. مضطربة داخلياً وأعداء فى كل مكان ومقاومة للتغيير هنا وهناك ووضع دولى معادٍ ومناوئ.. والسؤال: أى حال فى المشهدين السابقين، ما بعد يوليو وما بعد يونيو، يمكن أن يدفع أى جماعة سياسية لرفضه ومعارضته والاختلاف معه؟ وإن كان ذلك مقبولاً فما الذى يدفعها لحمل السلاح والقتل والتخريب؟ من المستفيد الأصلى من وقف وتدمير كل ما قلناه أعلاه؟ من يستهدف لمنع استنهاض همة المصريين قدراتهم وامتلاكهم لثرواتهم والحفاظ على أملاكهم ومرافقهم ومصانعهم؟ ترعاهم الدولة صحياً وتوفر التعليم الأنسب؟ هل هى جماعة الإخوان فى ذاتها أم أنها وكيلة عن قوى أخرى؟ وإن كان المشهد اليوم كمشهد الأمس لذا لا شىء قد تغير.. وعدو الأمس الخفى الذى يوظف الإخوان هو كما هو عدو اليوم.. وربما ظهر علناً فى السابق لاعتبارات أخرى وطبقاً لقوانين الصراع معه وقتها لكنه لن يظهر اليوم أبداً.. والسؤال: ألا يستدعى ذلك تبنى رؤية أخرى فى مواجهة فكر وأساليب الوكيل؟ ألا يتطلب ذلك اعتبار المعركة واحدة ممتدة من «يوليو» إلى «يونيو»؟ «يوليو» أعادت الوطن من محتل استخدم فيما بعد أعوانه وأتباعه وخدمه.. و«يونيو» استردت مصر من عصابة مجرمة دعمها المحتل السابق!! اعترض ورفض وواجه إعلامياً واستقبل الإرهابيين ووفر لهم سبل الحركة ضد مصرنا.. فى مفارقة ذات دلالة.. لذا نقف أمام خصوم تدرك أبعاد اللعبة فهل ندركها؟ أم نظل نتبرع لهؤلاء يومياً تبرعات مجانية ونجد من يهاجم «يوليو» ناقلاً مردداً كل أكاذيب الإخوان؟ من الدكتور فلان، إلى الكاتبة فلانة، إلى الإعلام المعروف ولأسباب شخصية عائلية وأحياناً نفسية؟
الانتصار فى أى معركة يستلزم أولاً إدراكها.. ثم تحديد مجالها.. ثم تحديد الحلفاء والأنصار والمتعاطفين.. فضلاً طبعاً عن فهم العدو وأهدافه وأدواته..
اللهم بلغت.. اللهم فاشهد..