وفقاً لكتابه المثير «أمام أعيننا» للصحفى الفرنسى البارز «تيرى ميسان» الذى يثبت فيه كيف عملت جماعة الإخوان كقوة فى يد أجهزة المخابرات الغربية (البريطانية الأمريكية تحديداً) نقول وفقاً له إن قصة الربيع العربى قديمة جداً، حيث أقنع السير جيمس ماكوين كريج المتخصص فى الشرق الأوسط الحكومة البريطانية باستخدام جماعة الإخوان المسلمين فى عمليات سرية خارج مصر.. وفى عامى 1972-1973 أسهم مع السفير البريطانى فى مصر السير ريتشارد بومونت بحملة ضغط مكثفة لكى يعتمد بلدهما والولايات المتحدة على الإخوان المسلمين ليس فى مصر فحسب، ولكن فى جميع أنحاء العالم الإسلامى ضد ما سمّوهم الماركسيين والقوميين!
جيمس ماكوين كريج هو نفسه الذى عاد وأشرف على ما سُمى بـ«الربيع العربى» قبل رحيله فى 2017!
الكتاب يستحق القراءة، ويستحق التناول بشكل مفصل، لكن ما يعنينا هو إعادة التأكيد على أهمية الجماعة المذكورة لدى المشروع الغربى الذى هو أصلاً مشروع استعمارى تديره من خلف ستائر الحكومات الموجودة أجهزة مخابرات هى وحدها فيما يبدو المؤتمنة على المشروع الاستعمارى الذى هو أصلاً «صهيونى» بامتياز!
المقدمة السابقة مهمة قبل الشروع فى قراءة المشهد سريعاً حول مصر لمحاولة وضع القارئ والمواطن المصرى والعربى أمام الصورة الحالية والمستقبلية لندرك التحديات المقبلة ولنعى أهمية الاحتشاد خلف الوطن المستهدف الأول والأخير من كل ما يجرى.
فى الجزائر تبدو الصورة ببساطة هادئة، لكن النيران مشتعلة تحت الرماد.. ولفهم المشهد يجب تبسيطه، حيث نقول إن يوم 3 يوليو الماضى حلّ دون إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة لعدم وجود مرشحين، وخروجاً من الأزمة لجأ القادة العسكريون إلى المجلس الدستورى الذى يشبه المحكمة الدستورية العليا فى مصر للمشورة فأفتى ببقاء الرئيس المؤقت عبدالقادر صالح لإتمام مهمته، وهى إجراء انتخابات رئاسية وتولى رئيس جديد.. هذا الإجراء اتهمته المعارضة بغير الدستورى، وإن رأى المجلس الدستورى غير منصوص عليه فى الدستور وطالبت بعدة مطالب، منها إقالة الحكومة وإجراء انتخابات بإشراف حكومة مستقلة والإفراج عن المعتقلين وفك الحصار الأمنى عن العاصمة.. رفض قادة الجيش المطالب، وهنا تشكّلت لجنة للحوار الوطنى من شخصيات عامة وصفوا أنفسهم بالاستقلال السياسى، وأكدوا أن هدفهم الوصول بالجزائر إلى بر الأمان.. يقود لجنة الحوار رئيس مجلس الأمة الجزائرى الأسبق كريم يونس، الذى شاء القدر أن يغادر موقعه قبل سنوات بعد خلاف مع الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة لذا اعتبروه غير محسوب على النظام السابق، وبلا أى مؤاخذات عليه ولاقت لجنته قبولاً من الكثيرين رغم رفض عدد من الشخصيات البارزة الانضمام لها، منهم جميلة بوحيرد ورفيقتها فى الكفاح طريفة بن مهيدى، وكذلك رفض الانضمام وزير الخارجية الأسبق حتى عام 88 أحمد طالب الإبراهيمى، ورئيس الوزراء الأسبق حتى عام 91 مولود حمروش، وكثيرون غيرهم رغم شعبيتهم وتقدير الشارع الجزائرى لهم!
الأسبوع الماضى اجتمعت اللجنة بالمعارضة ومنحها الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش تصريحاً إيجابياً لكنه قال: «مسار الجزائر يجب أن يلتزم بالدستور» وبالتالى نعود إلى الدائرة المغلقة التى يطل حولها الإخوان الذين تولى أحدهم رئاسة المجلس الشعبى الجزائرى (يعادل مجلس النواب فى مصر، بينما مجلس الأمة يعادل مجلس الشورى سابقاً والبرلمان الجزائرى يتكون منهما معاً) السيد سليمان شنين، الذى ينتمى تاريخياً للتيار الإسلامى وللإخوان تحديداً، وهو فى حالة أقرب إلى حزب الوسط فى مصر.. انفصلوا تنظيمياً وظل الارتباط النظرى الأيديولوجى كما هو!! بينما أكد عبدالرازق مقرى القيادى الإخوانى نيته للترشح للانتخابات عقب استقالة الرئيس بوتفليقة، ثم التزم بعدم الترشح المرة الفائتة لكن اعتقادنا أنه ينتظر دخول الجزائر فعلياً إلى إجراءات الانتخابات ليترشح!
فى تونس أعلنت حركة النهضة عن ترشيح عبدالفتاح مورو فى تكرار للسيناريو المصرى دون أى إبداع.. الرجل الثانى يترشح وقائد التنظيم يرى أنه أكبر من فكرة الترشح ويدفعون بمرشح فى ظل أزمة عنيفة تضرب تنظيم الإخوان فى مصر والمشرق العربى كله ولا إحياء للجماعة وتنظيمها الدولى إلا بانتصارات تتحقق فى أماكن أخرى بعيداً عن تصنيفها إرهابياً خليجياً وهزيمتها فى مصر وسوريا، خصوصاً أن الوضع فى ليبيا يتطلب كسر حصار دول الطوق العربى حول ليبيا ورفع معنويات الجماعة بأسرع ما يمكن وإظهار بقائها على قيد الحياة لتبقى قيمتها لدى الدول الغربية وتمنح حلفاء الجماعة فى واشنطن خصوصاً الليبراليين الجدد القدرة على استمرار الدفاع عنهم فى مواجهة المحافظين!
فى السودان تتداخل كل الخيوط والخطوط فى بعضها.. المجلس العسكرى صمام الأمان فى البلاد والمؤتمن على مستقبل السودان الشقيق يبقى وحيداً فى مواجهة الكل مع تداخلات الخارج مع تشابكات قوى انفصالية مسلحة مع قوى أخرى سلمية مع فصائل مخلصة ووطنية فعلاً مع فصائل غامضة التوجهات والجذور وشعب طيب يستحق الكثير.
وفى مصر التى استقبلت وفداً من الساسة السودانيين وأعلن بعدها حرفياً عن «استمرار مصر فى جهودها لتقريب وجهات النظر بين الأشقاء بالسودان» وهو ما يعنى وفق المصطلحات الدبلوماسية عدم التوصل إلى شىء ملموس وفى اعتقادنا أن تداخلات الخارج مع الداخل السودانى ستنتهى إلى عدم الاتفاق على شىء أو عدم الالتزام بأى اتفاقات ستتم!
أما ليبيا التى تحتاج مقالاً مستقلاً، فهى باختصار شديد جداً المعركة الأساسية لقوى الشر ضد مصر.. ثروات هائلة ومعسكر كبير للإرهاب ومستودع مهم للإرهابيين وخط متقدم للدفاع عن طموحات أردوغان فى ثروات البحر المتوسط وخط الإرباك الأول المباشر لمصر والامتداد الطبيعى لأوهام «أردوغان» أيضاً فى إمبراطورية النفوذ التى يسعى لها الممتدة من شمال العراق وسوريا إلى الوجود فى قطر إلى جنوب المتوسط!
لا تحتاج الصورة لأى شروح إضافية غير أن مصر مهتمة بمستقبل الأشقاء، كما هو الحال حتى مع الدول المستقرة.. يبقى الأمل فى وعى الأشقاء أنفسهم للعبور ببلدانهم إلى بر الأمان.. وأمامهم التجربة المصرية.. وهى نموذجية كما نظن.. وليس كل الظن إثماً!
وقد يهمك أيضًا: