بقلم - أحمد رفعت
فى المؤتمر الصهيونى الأول بسويسرا عام 1897، أى القرن قبل الماضى، حدد المجتمعون عدة أماكن لاختيار واحد منها لإعلان ما يسمى بوطن قومى لليهود فوقه.. وفضلاً عن أوغندا كانت سيناء قبل الاستقرار نهائياً على فلسطين المحتلة.. وفى القرن الماضى عندما قدم الباحث الصهيونى عوديد يعنون خطته لتفتيت المنطقة، وهى معلنة ومنشورة وكان أول ظهور لها فى مجلة «كيفونيم» فى عدد فبراير 1982، وأفرد فيها مساحة لكل الدول العربية وعلى رأسها مصر طبعاً، وبعد أن يقوم بتوصيف الحالة السكانية فى مصر من كونها كما سماها «دولة مسلمة سنية تعيش فيها أقلية مسيحية»، محاولاً أصلاً وضع التفرقة الطائفية من خلال مصطلحات «سنية» و«أقلية مسيحية»، وبعد أن تناول الحالة الاقتصادية عام 82، التى وصفها بالمزرية، ويؤكد بنفسه، أنه بخلاف الجيش المصرى، فلا توجد مؤسسة منضبطة فى مصر، نكرر عام 1982، ثم يقول فى صراحة مذهلة تصل إلى حدود الوقاحة إن استعادة سيناء بما تحتويه من موارد طبيعية ومن احتياطى يجب أن يكون هدفاً أساسياً من الدرجة الأولى اليوم للدولة الإسرائيلية، ويتوقع وقتها طبعاً أن المصريين لن يلتزموا باتفاقية السلام بعد إعادة سيناء، وسوف يفعلون كل ما فى وسعهم لكى يعودوا إلى أحضان العالم العربى، وسوف نضطر إلى العمل لإعادة الأوضاع فى سيناء إلى ما كانت عليه.. ثم يؤكد أن مصر لا تشكل خطراً عسكرياً استراتيجياً على المدى البعيد بسبب تفككها الداخلى، ومن الممكن إعادتها إلى الوضع الذى كانت عليه بعد حرب 1967 بطرق عديدة!
أما القرن الحالى فبدأ الكلام عن سيناء مع إعلان خطة «إيجور إيلاند» رئيس مجلس الأمن القومى الإسرائيلى عام 2009، بخطة تبادل أراض بين مصر والعدو الإسرائيلى تقضى بتوسيع قطاع غزة بمساحات جديدة داخل سيناء تسمح بإقامة كيان فلسطينى فى مقابل تعويض مصر المساحة نفسها فى صحراء النقب!
بالطبع من حق أى شخص فى العالم أن يفكر كما يشاء ومن حق أى شخص فى العالم أن يشطح بخياله إلى حدود الوهم.. فلا أحد يمنع أحداً ولا سلطان لأحد على أحلام أى شخص.. ما يعنينا هو التأكيد أن سيناء مطمع على مر العصور، والكل يعرف علاقتها بالأمن القومى لمصر منذ آلاف السنين، لكننا نخصص الكلام عما سمى بصفقة القرن واستباحة أقلام عديدة حدود المنطق، بالزعم أن مصر وافقت على الصفقة، رغم أن مصر لم توافق عليها إلا فى عهد الإخوان، وكانت أحد أهم أسباب قلق أبناء القوات المسلحة، وبما دفع لاتخاذ إجراءات عديدة لمنع ذلك، منها قوانين بيع الأراضى والعقارات داخل سيناء وأخرى تخص الهويات الشخصية والعائلية وغيرها!
وكثيرون يظهرون على شاشات الفضائيات بينهم مجانين بالمعنى الحرفى للكلمة، يقولون إن الحل الأمثل لتأمين سيناء من أطماع الطامعين هو زرعها بالبشر والسكان، ومع احترامنا لهذه الاكتشافات والإضافات العظيمة إلا أنهم - هذا النوع من المحللين - لا يكملون معلوماتهم الخطيرة ولا يقولون كيف سيعيش الملايين ممن نريد توطينهم فى سيناء دون خدمات ومن دون مقومات الحياة، بعد إهمال سيناء لأربعين عاماً متصلة.. ثم وهذا هو الأخطر لا يقولون ما يجرى فى سيناء لتحويلها إلى مكان قابل للحياة جاذب للبشر.. ولا يمكن لعاقل أن يتصور أن الرئيس السيسى يطلق مشروع أنفاق القناة الذى تصل تكلفته الإجمالية فى أقل التقديرات إلى 4 مليارات دولار وإلى 8 مليارات فى أقصى تقديرات بعض الخبراء عند تشغيل الأنفاق وما حولها، أى بقدر قيمة ما يشاع أنه معروض على مصر للقبول بالصفقة!! أطلق بقيمتها السيسى مشروعاً واحداً لإنهاء عزلة سيناء إلى الأبد!
ولا يتصور عاقل أن السيسى يؤسس لمدينة كاملة كبيرة تقع بكاملها داخل سيناء تكلفت عدة مليارات من الجنيهات هى الإسماعيلية الجديدة، دون أن تكون لديه رؤية لتنمية سيناء كلها، خصوصاً أن المدينة الجديدة خصصت لما يزيد على 342 ألف نسمة ستنطلق أعمالهم حتماً داخل مدينتهم الجديدة وما حولها! كما لا يمكن تصور أن السيسى ينفق مبلغاً يتجاوز المليار ونصف المليار جنيه لتعبر المياه العذبة أسفل قناة السويس عبر أنابيب عملاقة وخزان مياه كبير اسمه «سحارة سرابيوم» لزراعة عشرات الألوف من الأفدنة دون أن يكون له رؤية لتعمير سيناء، وعندما نضيف إلى كل ذلك العشرة آلاف وبضع مئات من الوحدات السكانية فى رفح الجديدة، نعم رفح الجديدة، رغم الإرهاب ومعها بئر العبد الجديدة ومعها السلام الجديدة بشرق بورسعيد دون رؤية شاملة لتنمية سيناء، ولا يمكن فهم إعادة سكك حديد الفردان بالقرب من بورسعيد وقرية الأمل النموذجية بالقرب من الإسماعيلية ولا قراره بتطوير مطار المليز العسكرى وتحويله إلى مطار مدنى قادر على استيعاب ما يزيد على مليون مواطن وسائح سنوياً دون رؤية لتنمية سيناء الغالية!
ولم يكن السيسى يعيد تأهيل كافة طرق سيناء وإنشاء طرق جديدة ويؤسس لعشرات المصانع الجديدة فى شمال ووسط سيناء، خصوصاً فى صناعة الرخام وما حوله ولا يعيد تأهيل عشرات الوحدات الحكومية فى الشمال والوسط والجنوب من وحدات صحية ومدارس وهيئات حكومية منها عشرات من مراكز الشباب القديمة والجديدة ثم جامعة جديدة تحمل اسم الملك سلمان، فضلاً عن قتال لا يتوقف ضد الإرهاب بل وضد المجرمين الجنائيين خصوصاً فى المجال الحيوى لهروبهم فى وسط سيناء وما فى ذلك من تضحيات كبيرة من دون أن تكون لديه رؤية شاملة لتنمية سيناء!
السؤال: هل رئيس دولة لديه رؤية لتنمية سيناء هكذا يمكن لأحد أن يشك ولو لفيمتو ثانية أنه يفعل كل ذلك من أجل تسليم هذه القطعة الغالية من الأرض لآخرين؟ هل هذا هطل أم ماذا يمكن تسميته؟ الكائنات التى تفعل ذلك فى قطر وتركيا أهدافهم معروفة.. فماذا عن غيرهم؟ لا نجد إلا المثل الشهير المثير «اللى ما يعرفش أو حتى ما بيفهمش يقول عدس»!
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع