بقلم : أحمد رفعت
كان البند الثالث فى خطة عدم ظهور جمال عبدالناصر جديد هى تشويه صورة جمال عبدالناصر «القديم»، وهو البند الذى بدأه عدد من كتاب السلطة أوائل السبعينات قبل أن تتسلم منهم «الإخوان» المهمة لتبدأ أحقر وأسوأ حملة فى التاريخ ضد رجل لم يتخلف واحد من خصومه عنها.. فشلة خرجوا من دوائر السلطة إلى إقطاعيين يصفون حساباتهم.. إلى انفتاحيين لا يريدون عودة أجواء الاشتراكية إلى متزلفين للنظام لا تقوى إمكانياتهم على تقديم أنفسهم ولا يجدون إلا النفاق سبيلاً.. الإخوان كانوا الأشرس والأقذر على الإطلاق.. فوحدهم من استخدموا الدين فى الأمر بعد أن مُنحوا منابر لا حصر لها وعادت تراخيص إصدارات قديمة ومعها موافقات بتراخيص دور نشر جاءت أموالها من الخارج مع مجلات الجامعة ودروس الأربعاء ولقاءات ما بين المغرب والعشاء، وانطلقوا لا يثأرون مما جرى لهم وهم يستحقونه وإنما التزاماً بالمخطط الأمريكى لضرب أى نموذج للإرادة والكرامة والاستقلال وقدموا خدماتهم الخسيسة على أفضل ما يكون! لم يتركوا شيئاً إلا وأفردوا له صفحات وصفحات وكتباً وأشرطة مسجلة.. من مزاعمهم عن الديمقراطية المفقودة وكأن الثورات تقوم لتمنح الخصوم حق الموافقة والاعتراض! فى تخاريف رددها خلفهم حتى سياسيين كبار!! إلى «كارثة» عدم عودة الجيش لثكناته!! وكأن الضباط الأحرار خرجوا لـ«شم شوية هوا»!! وليس لأفكار فى أذهانهم وبرنامج طويل وطموح للنهوض بالبلاد!! وصولاً إلى استخدام الفنان محمد فوزى فى الانتقام من جمال عبدالناصر!
الفنان محمد فوزى مطرب وموسيقار عظيم يتمتع بالبساطة وخفة الروح ومرت ذكراه المئوية وعام قبل أيام وهى مناسبات يستغلها الإخوان للضغط على مشاعر المصريين عاطفياً استغلالاً لغياب المعلومات فى هدفهم الانتقامى الثأرى الخسيس من زعيم مصر الراحل وقائد ثورتها ومؤسس نظامها الجمهورى، والسبب هو ما تعرض له مصنع أسطوانات الفنان الكبير للتأميم ثم نسجت بعد ذلك أساطير لا علاقة لها بالواقع ولا بأى منطق سنحاول تلخيص الرد عليها بما تسمح به مساحة المقال. القصة كلها أن مصر أرادت الاعتماد على نفسها بعد ثورة يوليو 1952 والحكم لمصلحة الطبقات العريضة للشعب المصرى.. فاجتماعياً منحت الفلاحين أراضى زراعية تم الاستيلاء عليها ممن ورثوها من آبائهم، ولا يسأل الكثيرون عن كيف حصل آباؤهم عليها؟ وهى قصة طويلة ليست فى صالح الإقطاعيين على كل الأحوال فقد آلت إليهم بمنح من القصور الخديوية لخدمات قدموها أو لأعمال مهمة بالنسبة للقصر!
وبدأت إجراءات انتشال الطبقات الواسعة ووضعها على خريطة الحياة هم وأسرهم وإقرار مبدأ تكافؤ الفرص، فسافر أبناؤهم للدراسة بالخارج بمنح دراسية على نفقة الحكومة دون شرط الانتماء لطبقة أو أسرة أو امتلاك ثروة.. كان الشرط الوحيد هو التفوق كما مُنحوا تعليماً مجانياً ورعاية صحية هائلة طالت ريف مصر كله.. بينما على الجانب الآخر وبالإمكانيات الذاتية أسست مصر مصانع الحديد والصلب وكيما أسوان ونسر للإطارات ورمسيس للسيارات والنصر للسيارات وعددا من الصناعات الأخرى ومعها الصناعات الحربيه.. وحتى العام 1961 أى بعد 9 سنوات كاملة على الثورة لم يقدم القطاع الخاص للصناعة أو لخطط الدولة جنيهاً واحداً للدولة ولا لخطط التصنيع، فقررت الدولة أن تسيطر بنفسها على موارد الوطن وتخطط لاقتصاده بما عرف بالاقتصاد الشمولى، فكانت قرارات التأميم فى يوليو من عام 61، ولم يكن كما يردد أو يفهم البعض بعد الثورة مباشرة أو لأسباب انتقامية من الأثرياء!
لكن حدث شىء مهم جداً كان سبباً بالتعجيل بالتأميم لم يخطر على بال أحد.. فمصر زعيمة أفريقيا ساهمت فى تهريب أبناء زعيم الكونغو الثائر لوممبا بعد إعدامه هناك من الاحتلال البلجيكى بدعم أمريكى، ومع الدعم المصرى لشعب أفريقى قررت بلجيكا قطع العلاقات مع مصر مع عدد من الإجراءات الأخرى ردت مصر عليها على الفور بوضع البلجيكيين فى مصر تحت التحفظ.. فاكتشفت السلطات امتلاكهم ثروات هائلة، وعدد كبير منهم يمتلكون أسهماً كثيرة جداً منها كانت شركة أسطوانات محمد فوزى!
طلب الرئيس عبدالناصر على الفور تقريراً يجيب عن السؤال: من يملك مصر ويتحكم فى اقتصادها؟ وكُلفت كل الأجهزة فجاءت الأرقام بالمستندات والأسماء.. 200 أسرة يهودية تتخفى تحت جنسات متعددة، منها البلجيكية، يمتلكون 500 مليون جنيه بخلاف ما تم تهريبه، فجاء قرار التأميم على الفور.. وقد صدر بقانون كامل متكامل وضعه مجموعة من أساتذة القانون وليس قراراً عصبياً كما صوروه.. ينص على حد معين يتم تأميم أصحابه ليس كل الممتلكات أو الشركات الخاصة كما كذبوا.. وينص على تعويض المؤممين وإبقاء حياة كريمة لهم وليس تشريدهم كما زعموا، وطبق القانون على أى سلعة تحتكر إنتاجاً معيناً، وهذا أيضاً ينطبق على شركة فوزى، التى تحولت إلى الكيان العملاق الحالى «القاهرة للصوتيات والمرئيات»!
فوزى غنى للثورة قبل التأميم وبعده، بل شهدت المحاكم دعوى قضائية منه ضد محمد عبدالوهاب لاتهامه عبدالوهاب بسرقة أغنية «ناصر» منه!! ورحل بعد ما يقرب من 6 سنوات كاملة ولا علاقة للتأميم بمرضه لم يثبت ذلك علمياً حتى الآن وعولج فى ألمانيا على نفقة الدولة، وشكر الدولة على ذلك وتبرع لمصر بعد التأميم، ومثلت زوجته مديحة يسرى أروع أفلامها بعد التأميم، ورشحت الدولة الموسيقار الكبير لتلحين أول سلام جمهورى للجزائر بعد استقلالها!
السؤال: هل روينا قصة زعيم وفنان؟ أم قصة إجرام جماعة مجرمة عاشت على الكذب وستنتهى عليه!