بقلم: أحمد رفعت
كان مستحيلاً أن نكون أصدقاء لأمريكا وندعم حركات التحرر فى الوقت نفسه.. كانت أزمة الثائر الأفريقى الكونغولى «باتريس لوممبا» خير شاهد.. أمريكا مع بلجيكا ضد «لوممبا» وضد شعب الكونغو وضد من ساند الكونغو ووقف مع «لوممبا» ولم ينته الأمر إلا باستشهاد الزعيم الأفريقى وقيام مصر فى عملية بطولية وجريئة ومعقدة وشريفة وفاءً للرجل بتهريب أسرته من قبضة القوات البلجيكية ومن تحالف معها وكبر الأطفال وعادوا وتولوا مناصب كبرى وأصبحوا وحتى الآن من أكبر الداعمين لمصر!
يوماً بعد يوم وعلى مدار أربعة عقود ظل التفريط فى الحضور المصرى الأكثر من طاغٍ فى أفريقيا حتى فوجئنا أن النفوذ تراجع والوجود تقلص والدور فى حدوده الدنيا، والأسوأ على الإطلاق قيام آخرين من خارج القارة؛ قوى عظمى على قوى إقليمية على أعداء لمصر وخصوم لها على السواء، بملء الفراغ الذى خلفه الغياب المصرى!
فضلاً عن كل ذلك كانت الأزمة مع الاتحاد الأفريقى نفسه ثم أزمة سد النهضة التى استهلكت جهود الخارجية المصرية ومؤسسات أخرى فترة طويلة ولم تزل حتى بعد تراجع الخطر.. هذا هو الحال الذى تسلم فيه الرئيس السيسى المسئولية ولم يكن أمامه إلا أن يقبل التحدى ويصل خلال فترة قصيرة جداً إلى ما أعلن عنه قبل أيام من التوقيع وبدء سريان اتفاقية التجارة الحرة!
منذ يناير 2015 وبعد زيارة الرئيس السيسى الأولى خارج البلاد والتى كانت إلى بلد عربى وأفريقى هى الجزائر فإن أكثر من 40% من زيارات الرئيس للخارج كانت من نصيب أفريقيا منذ زيارة إثيوبيا أوائل 2015 إلى زيارة النيجر الأسبوع الماضى وما بينهما من زيارة إثيوبيا أكثر من مرة وكل من أوغندا ورواندا ودول غرب أفريقيا، فضلاًً عن زيارات شبه أسبوعية لمسئولين أفارقة إلى القاهرة..
كل ذلك أثمر ليس فقط عن وجود سياسى مصرى مشهود فى أفريقيا وإنما أدى أيضاً إلى وجود اقتصادى وتجارى بعض منه كان مثلاً طريق بيكوفى - غينيا الاستوائية، ومعه بناء كنيسة وتمثال باسيلا فى قمة جبل بيكو «طريق ألنجيما كوبى»، شبكات مياه مدينة مالابو، ومبنى الإذاعة فى بيكو، وكذلك مجمع السفارة المصرية الجديد بغينيا، وأيضاً مدينة فيش تاون السكنية بالعاصمة مالابو، وفى إثيوبيا عملية إعادة تأهيل طريق أجريماريم يابللو بين أديس أبابا ومومباسا، الميناء الرئيسى لكينيا وثانى أكبر مدنها وكذلك مشروع إعادة طريق يرجا تشيفى أجريماريم، وفى كوت دى فوار تشرف مصر على تطوير قرية البضائع والمبنى الثانى بمطار أبيدجان ومعه المبانى الخدمية الإدارية التابعة له والطرق والمرافق الملحقة، وكذلك كوبرى جاك فيل الذى يربط الكوبرى بين العاصمة ومدينة جاك فيل البحرية!
نقوم أيضاً بتجهيز 60 بئراً جوفية فى تنزانيا وحفر 10 آبار جوفية فى دارفور بالسودان وحفر 180 بئراً فى كينيا وبئرين فى أوغندا وإعداد وتجهيز مزارع نموذجية فى تنزانيا وزامبيا وربط بحيرة «فيكتوريا» بالبحر المتوسط وأيضاً عملية أطلق عليها «درء مخاطر الفيضان» لمواجهة الفيضانات المدمرة مثلما حدث فى منطقة كسيسى بولاية رونزورى غرب أوغندا، وفى نيجيريا: مقر إقامة حاكم ولاية لاجوس وطريق مصنع يسمى الأوبا جانا وتأسيس لساحل ليكى المؤدى إلى مدينة كبيرة تسمى كالابار بمقاطعة كروس ريفر ثم مبنى هيئة التأمين على الودائع ومعها قاعة اجتماعات واحتفالات ضمن مشروع إسكان فليم ترى وعدد آخر من الطرق والإنشاءات العملاقة داخل أكبر اقتصاد أفريقى من حيث حجم الأعمال فى نيجيريا.
مصر انتهت من مشروع إعادة بناء سفارتها بلوساكا - زامبيا ومشروع سفارة مصر بغينيا الاستوائية وسفارة مصر بكل من المغرب وتونس وطريق رادس وجسر الطويل بتونس أيضاً!
كل ذلك بخلاف مبنى وزارة المالية بالجزائر والدفاع برواندا ومطار الناطور بالمغرب وطبعاً المشروع الكبير وهو سد «ستيجلر» بتنزانيا وتصل تكلفته إلى ما يقترب من 4 مليارات دولار.. وكل هذه المشروعات حصلت شركة المقاولون العرب على النصيب الأكبر منها والباقى من نصيب وزارة الرى!
حتى نعرف كم الجهد الرئاسى والدبلوماسى المبذول علينا أن نعرف أن أفريقيا لم تكن خالية من التكتلات والتجمعات كما يعتقد البعض وأنها كتلة واحدة من الاتحاد الأفريقى بل فيها عدة تجمعات أهمها تجمع دول الساحل والصحراء، السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا، وتكتل شرق أفريقيا ومجموعة تنمية دول أفريقيا الجنوبية والهيئة الحكومية للتنمية وتكتل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الاقتصادى والنقدى لغرب أفريقيا وكتلة دول المحيط الهندى.. وسط هذه التكتلات حوّل الرئيس السيسى بين حجرات الخارجية المصرية وقاعات مؤتمرات شرم الشيخ التنافر والتنافس بين هذه التكتلات إلى حوار وتعاون وكانت نتيجته إزالة العراقيل التى وقفت عقبة أمام اتفاقية التجارة الحرة التى كانت ثمرة جهد أسطورى! لم تحدث عودة مصر لأفريقيا صدفة بل بذل فيها مجهود خرافى.. فى مسارات مختلفة من الوساطة بين الدول والتمثيل الأمثل لأفريقيا أمام مؤسسات ومنظمات العالم إلى بحث قضاياها فى التعليم والتشغيل والصحة.. ورغم هذا المجهود الذى يصل ما انقطع برحيل جمال عبدالناصر الذى حدد الدائرة الأفريقية بعد العربية فى كتابه المهم «فلسفة الثورة» إلا أن أمامنا الكثير لنفعله.. لسبب بسيط جداً وهو أننا لسنا وحدنا حتى الآن فى أفريقيا.. والأمن القومى المصرى بالقارة الكبيرة لا يقبل القسمة على أكثر من واحد.. ولن يقبل مع هذا المجهود الكبير فى يوم ما وقريباً جداً.. إلا القسمة على واحد!