يتحمل جهاز التنسيق الحضارى مسئوليته الوطنية والأخلاقية، فضلاً عن مهمته الأساسية فى تهيئة الحياة للأفضل فى شوارع وميادين مصر، ويقدّم رئيسه المهندس محمد أبوسعدة مشروعين مهمين يبدو كل منهما بسيطاً سهلاً، لكنه -فى حقيقة الأمر- شديد الأهمية عميق الأثر!
الأول عنوانه «عاش هنا»، وهو كما الرسالة المباشرة من العنوان يعنى العودة إلى منازل رموز مصر التى عاشوا فيها وتعريف الناس بهم.. السياسيون والاقتصاديون والصحفيون والإعلاميون والفنانون والرياضيون والمفكرون وجميع رموز القوى الناعمة فى كل المجالات، وقبلهم جميعاً بطبيعة الحال الشهداء والأبطال ممن حملوا السلاح دفاعاً عن هذا الوطن واستُشهدوا أو انتصروا!
الثانى عنوانه «حكاية شارع»، وهو باختصار وضع لوحة جميلة مناسبة للتجميل تصف باختصار معنى اسم الشارع وقصته أو قصة صاحبة فى صيغة تلغرافية بسيطة أقرب إلى لغة العصر التى انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعى التى تحمل المختصر المفيد وتقرر ألا تزيد كلمات التعريف بالشارع على خمس وعشرين كلمة!
وفضلاً عن البعد التجميلى فى الأمر، إذ لا نتصور وضع لوحات كتلك على بنايات سيئة المظهر مشوهة جمالياً لا تسر الناظرين ولا نتصور أيضاً وضع يافطات على الشوارع بجوار يافطات أخرى تراكم عليها الغبار والأتربة وعوامل الزمن، وبالتالى نتوقع انتفاضة تجميلية تصاحب المشروعين، لكن نقول: فضلاً عن هذا البُعد التجميلى، وهو ما يعنينا أيضاً بشدة هو الأبعاد التثقيفية التاريخية الوطنية فى الموضوع.. إذ لا يصح أن يكون هناك شارع باسم الشهيد أحمد حمدى أحد أبطال العبور العظيم فى أكتوبر ٧٣، دون أن تعرف أجيال من هو هذا الرجل.. ولا شوارع تحمل اسم جول جمال، دون أن يعرف الكثيرون أنه للبطل السورى الذى درس فى الكلية البحرية وعند العدوان الثلاثى على مصر رفض العودة إلى سوريا، وتطوع فى الجيش المصرى، وقام بعمل فدائى كان يعرف أن نسبة نجاته منه منعدمة، لكنه قدم روحه فداءً لمصر وللعروبة، وكرّمته مصر بإطلاق اسمه على شوارع ومدارس فى كل مكان!
لا يصح أن تكون بيوت أحمد عرابى ومصطفى كامل ومحمد فريد وغيرهم مهملة لم تقترب منها يد التنظيف، وليس فقط يد التجميل منذ سنوات!
يصح أن يعرف الناس شارع صبرى أبوعلم، وأنه لأشهر وزراء العدل فى مصر، وصاحب معركة استقلال القضاء فى مواجهة الملك قبل الثورة.. وأن شارع الميرغنى لقيادى من السودان الشقيق عاش هناك، وأن شارع إبراهيم اللقانى لأحد علماء القرن السادس عشر، وأن ميدان شارل ديجول لأحد أهم قادة فرنسا ودعاة كبريائها الوطنى وهكذا وهكذا!
مهم أن نجد تعريفاً بالدكتورة عبلة الكحلاوى، جنباً إلى جنب الكاتب الكبير وحيد حامد، والشهيد أحمد حمدى، جنباً إلى جنب المصور السينمائى عبدالحليم نصر وهكذا..
بل حتى نجد فى بورسعيد صمم التنسيق الحضارى لوحة على منزل الكابتن «شاهينو» نجم الكرة والنادى المصرى ومنتخب مصر مع -على سبيل المثال- السياسى البارز الراحل البدرى فرغلى مع الكاتب الكبير الراحل مصطفى شردى، وقطعاً كل هؤلاء إلى جوار أبطال المقاومة الشعبية فى بورسعيد محمد مهران وزينب الكفراوى وجواد حسنى وحامد الألفى وحسن سليمان حمودة وغيرهم وغيرهم!
هذا التوجه الذى يبدو مباشراً وبسيطاً كما قلنا من شأنه أن يرفع الغمامة عن بطولات عظيمة وسير شخصية تم تشويهها عمداً فى خطة تشويه رموز الوطن ممن رفعوا مطالب استقلاله وحريته.. والعكس مع من تهاونوا بحقه ومع حقوق شعبنا فى الكرامة والاستقلال والحرية.. حتى وجدنا من يتطاول على صاحب أشهر وأشرف صيحة فى العصر الحديث صرخت «جيش مصر للمصريين» للبطل العظيم أحمد عرابى! بل ومدح وتجميل من جاءوا بالاحتلال الأجنبى ومن تعاونوا معه!
هذا المشروع سيرفع الشعور الوطنى العام، وبالتالى سينتقل بالانتماء الوطنى إلى مرحلة جديدة.. نحتاجها ونريدها مع أجيال جديدة شوهوا عمداً أمامهم تاريخ وطنهم وحولوه -زوراً وظلماً- إلى تاريخ من الهزائم والإحباطات والانكسارات!
هذا المشروع يحتاج كل الدعم الممكن.. الحكومى والأهلى والشعبى.. الحكومة تمنح الصلاحيات وتوفر ما تيسر من إمكانيات.. والمجتمع الأهلى يقدم الدعم فى الأماكن التى تستحق، أو القادر على تقديم الدعم فيها.. ويأتى الدعم الشعبى باحتضان ما يجرى والدفاع عنه والحفاظ عليه!
جهاز التنسيق الحضارى يقوم بالنيابة عن مؤسسات أخرى بمهمة مقدسة، أملنا أن نراها بطول مصر وعرضها، فى سيناء والنوبة.. فى أسيوط ومطروح.. فى البحر الأحمر والإسكندرية.. فى الوادى الجديد وسيوة، كما فى الفيوم وأسوان.. لا يوجد شبر على أرضنا بلا أبطال ورموز.. ولا يوجد شبر بغير عطاء وتضحيات.. كرّموهم واحفظوا سيرتهم وعلّموا أطفالنا كيف وصل وطنهم إليهم كاملاً حراً أبياً.