بقلم : أحمد رفعت
إذاعة صوت العرب العريقة منحتنا الفرصة لتجمعنا حلقة واحدة مع المفكر والأكاديمى العربى اللبنانى الدكتور أسعد السحمرانى، أستاذ مقارنة الأديان وصاحب الإنتاج الوفير فى الفكر الإسلامى وصاحب الهوى المصرى، والذى أعرب طوال الساعتين تقريباً وقت السهرة التى كانت الأحد الماضى فى حواره مع الإذاعيين المرموقين منال السيد هيكل ويحيى حسن وأشرف عبدالعزيز عن مدى عشقه لمصر وانتمائه وجدانياً وفكرياً، وهو اللبنانى، لمشروع ثورة 23 يوليو وقائدها وعن مدى دعمه للرئيس عبدالفتاح السيسى ووقوفه مع شعب مصر ضد كل ما يستهدفه!
كان منطقياً إذاً التمدد بالحوار للحرب الجديدة على مصر التى تستخدم الإعلام الجديد والتى تراجعت معها فرص استخدام صور العدوان القديم بصورته التقليدية فى استقدام طائراته وأساطيله ودباباته وجنوده بعد أن باتت كلفته مرتفعة مادياً وبشرياً، فضلاً عن رفض الرأى العام الدولى لها.. فكان الحديث عن بعض تفاصيل حروب الجيل الرابع بأرقامها وأدواتها.. بأساليبها وألاعيبها.. وفجأة يصرخ الدكتور السحمرانى ويقول: «ولماذا لا يتم تدريس هذا النوع من الحروب على طلبة وتلاميذ المدارس؟!».
نلتقط الفكرة التى طالما قلناها بطرق وصياغات مختلفة، خصوصاً أننا نقف أمام عدة مؤسسات قليلة اهتمت بـ«حروب الجيل الرابع» وتناولتها فى برامجها التدريسية أو فى دوراتها التثقيفية.. تأتى «أكاديمية ناصر» فى الصدارة بعدد من الدورات والمحاضرات ومناقشة رسائل علمية، ثم الإذاعة المصرية التى خصصت من وقتها مساحة معقولة لمواجهة هذه الحرب، ثم الهيئة العامة للاستعلامات التى دعت كاتب هذه السطور ليخاطب تلاميذ المدارس عنها وعن تفاصيلها ثم دعتنا الهيئة أيضاً من خلال مدير نشاطها الداخلى السيد عمرو محسوب النبى لأكثر من موسم تدريبى لمحاضرات لقيادات الهيئة ومديريها بالمحافظات، ثم يأتى معهد الإعلام بالهيئة الوطنية للإعلام الذى دعانا أيضاً لإلقاء محاضرة عن حروب الجيل الرابع للطلبة الأفارقة الدارسين بالمعهد قبل عامين!
بخلاف الجهود السابقة، وهى مبادرات من أصحابها ومسئوليها يستحقون التقدير عليها، لا يوجد فى حقيقة الأمر وبكل صراحة جهد منظم لمواجهة هذا النوع من الحروب.. إذ ورغم تقديرنا لمواجهة الشائعات والأكاذيب والرد عليها إلا أن الشائعات جزء من المعركة وليست كل المعركة.. الصور المركبة والفيديوهات المزيفة جزء آخر.. لكن هناك أيضاً الاغتيال المعنوى للشخصيات العامة بل وللشخصيات الاعتبارية أيضاً وهناك التشويش على الأحداث الإيجابية المهمة كافتتاح المشاريع أو الاحتفال بالإنجازات الكبرى كاحتفالات أكتوبر مثلاً أو لفت الانتباه بعيداً عن موضوع معين بطرح موضوع آخر تنقله مواقع التواصل للناس لإشغالهم وغالباً ما يكون ذلك ضد حدث كبير يطول قوى الشر ويكون من غير مصلحتهم استمرار تناوله والاهتمام به!
من بين وسائل حروب الجيل الرابع تطور أنواع الشائعات التى انتقلت من الشائعة السياسية ثم الاقتصادية والعسكرية إلى أنواع أخرى من الشائعات منها الشائعة الاجتماعية التى تستهدف الحياة اليومية للأسرة المصرية وحياتها داخل بيتها وإدارة ربة المنزل لبيتها وهى شائعات غالباً ما تطول الطعام وتخزينه وفوائده وأضراره بحيث تبقى الأم المصرية فى حالة ارتباك دائم تقبل فيما بعد تصديق الشائعات التقليدية السياسية والاقتصادية! وهناك أيضاً نوع جديد من الشائعات نطلق عليه «شائعات رفع سقف الطموح» كأن تطلق شائعة عن «إعانات للعاطلين» أو «تعيينات جديدة وفرص عمل متاحة بالبنوك»، وعند الذهاب للتقديم أو للتحقق من الأخبار يتعرض الشباب للصدمة بسبب عدم صحة الأخبار فيتحول ذلك إلى غضب ضد الدولة! وهكذا!
من بين «حروب الجيل الرابع» تأسيس كيانات وهمية كمنظمات لا وجود لها لحقوق الإنسان تحمل أسماء لامعة هدفها الأساسى إصدار تقارير كاذبة عن حال حقوق الإنسان وتنتقل منها إلى وسائل إعلام مرئية أو مسموعة أو مكتوبة وعندما يجد المواطن البسيط أن جمعية أو منظمة دولية لحقوق الإنسان تتحدث عن تجاوزات فى بلده مع منظمات أخرى شهيرة يتم اختراق عقول الناس ويضطرون فى النهاية، بالترديد المستمر، إلى تصديقها! ومن بين «حروب الجيل الرابع» شراء مساحات فى صحف كبرى عريقة وشهيرة لنشر أخبار كاذبة لمنحها الجدية والمصداقية فى حين لا يزيد الأمر عن التلفيق والكذب!
من بين تلك الحروب بث برامج ودراما وإعلانات من إنتاج شركات معادية هدفها التأثير فى قيم المجتمع لهدمه وإضعاف مناعة المجتمع ليتحول إلى مجتمع قابل للعبث به والتأثير فيه.. ومن بين ذلك الاستهانة بالمناسبات الوطنية والسخرية منها على شاشات هذه القنوات أو من خلال صفحات مدفوعة وممولة!
لماذا إذاً تحدثنا عن كل ما سبق؟ ليس لإبراز مخاطر تلك الحرب وفقط وإنما للتأكيد أن هناك ما يشكل منهجاً دراسياً حتى ولو بسيطاً لكنه فى كل الأحوال يستحق الاهتمام به ويستأهل شرحه لكل فئات المجتمع، خصوصاً صغار السن من الطلبة والتلاميذ لتحصينهم ضد إعلام وأدوات الشيطان بما يوفر علينا الكثير والكثير!
ما جرى مع أجيال عديدة لم تلق الاهتمام التعليمى والإعلامى الكافى لا يصح أن يستمر مع باقى الأجيال وأمامنا الفرصة كبيرة بل وذهبية لتطعيم أبناء مصر ضد هذه الحرب وفيها يتلقون معلومات كافية ومفيدة عن كل المؤامرات التى تعرضت لها مصر طوال تاريخها، ولماذا مصر تحديداً المستهدفة، وفى المادة المقترحة يتم تدريس أهمية موقع مصر والوقائع التاريخية السابقة مثل «سايكس بيكو» و«المؤتمر الصهيونى الأول» بسويسرا و«مؤتمر كامبل بنرمان» بلندن 1905، إلى مشروع «برنارد لويس» وخطة «يعنون أوديد» الصهيونية، إلى «الفوضى الخلاقة» وما يسمى «بالربيع العربى» وغيرها وغيرها!
ابدأوا الآن وفوراً.. اللهم بلغت اللهم فاشهد..