فى المبنى القديم لنقابة الصحفيين بشارع عبدالخالق ثروت حيث قال لنا أساتذتنا الكبار إن هنا، حيث ركن فى القاعة الكبرى، كان يجلس كامل الشناوى ومحمد التابعى.. بينما هناك فى ركن آخر كان يجلس حسين فهمى (الصحفى الكبير طبعاً) وحافظ محمود، بينما هناك فى ركن ثالث كان صلاح جاهين ومحمد عودة وغيرهم وغيرهم من الأسماء الكبيرة جداً فى دنيا القلم والرأى والكتابة والإبداع.. نقول فى المبنى القديم قبل هدمه وبناء المبنى الحالى كانت خطوات الفنانة لطيفة واحدة بعد أخرى تقترب بها إلى ندوتها التى أدارها وأشرف عليها ودعاها لها قبل سنوات الناقد طارق الشناوى..
تحدثت لطيفة عن مصر أكثر من أى شىء وبعد مصر يأتى الحديث عن من وقفوا بجانبها وقدموا الدعم لها من الشاعر الكبير الراحل عبدالوهاب محمد إلى آخرين كثيرين لا تنساهم قط وربما لن تنساهم لطيفة أبداً!
تبقى لطيفة فى مصر.. تنجح فيها.. تحب فيها.. تتعثر وتقف على قدميها مرة أخرى.. تحب فيها من جديد.. تطولها الشائعات على أرضها.. لكنها لا تغادرها ولا تفكر فى ذلك.. إنها إنسانة قسمت نفسها على بلدين.. لها أهلها وأسرتها هناك تبرهم وتذهب إليهم.. ويزورونها ويجيئون إليها.. يبقى بيتها مفتوحاً للجميع.. ولكن فنها هنا.. أهلها أيضاً هنا..
تمر الأيام وتعصف بمصر العواصف.. ويتغير مبنى الصحفيين.. وتجد لطيفة فى صف وطنها الثانى وفى المكان الصحيح.. لم تخذلنا أبداً ولو بحسابات خاطئة.. حسبة واحدة خاطئة لم تحدث.. تعيد بكبرياء شديد نشيد «بلاد العرب أوطانى» الذى لم يكن يتوقع أحد أن يقترب منه مطرب بعد الفنان العربى اللبنانى محمد سلمان.. بينما يختارها يوسف شاهين لتغنى «المصرى» ويغنى معها المصريون والعرب «تعرف تتكلم بلدى» إلى «يبقى انت أكيد المصرى»، وعندما تشرع مصر، قيادة وشعباً، فى شق القناة الجديدة تذهب لطيفة إلى هناك بغير ترتيب.. وأمام جمهور غير غفير.. تغنى فرحة مرحة مبتهجة سعيدة للقناة ولمصر وبناء على إحساسها وباختيارها أو بنصيحة البعض تغنى أغنية الأبنودى ومحمد حمام وإبراهيم رجب الخالدة «يا بيوت السويس»!
لطيفة التى غنت «ادعوا لأم الدنيا فى كل أدان»، قبل ثلاثين عاماً تقريباً، هى نفسها لطيفة التى كانت تجلس أمام عمرو أديب قبل ثلاثة أعوام مبتسمة منشرحة مقبلة متسقة مع نفسها، ما بداخلها نراه على وجهها لتقدم له شيكاً، مؤكدة له ولنا أن عائد ألبومها الأخير وما سيأتى منه فيما بعد هو أيضاً بالكامل لمصر!
المشهد الثانى
نعود أيضاً بالأيام لسنوات عندما قررت إدارة جريدة «الأسبوع» ومجلس تحريرها ورئيسها الأستاذ مصطفى بكرى فى ذكرى تأسيسها عام 2000 اختيارنا للإشراف على الحفل الذى تقرر وقتها أن يكون كبيراً جداً يليق بحجم نجاح «الأسبوع» وقتها وكان بالفعل أسطورياً بفضل كتيبة من ألمع الصحفيين الشبان وقتها.. الحفل سيحضره نخبة السياسة والفن والأدب والصحافة والشخصيات العامة ورجال الأعمال والسفراء العرب وبالطبع الحكومة.. كان لا بد من نخبة من النجوم لتحييه فى القاعة الكبيرة بالفندق الشهير.. كثيرون وافقوا.. بشروط وبغير.. والبعض اعتذر وتملص.. والبعض ساوم وفاوض وتشرّط.. واحد فقط عندما عرضت عليه الأمر الزميلة جيهان جنيدى وافق على الفور بلا شروط بلا مطالب بلا أى شىء يمكن أن يفكر فيه نجم كبير جداً!
بخلاف الدروع وترتيب القاعة والورود والدعوات والتليفزيونات وتفاصيل كثيرة فى الحفل كانت هناك أيضاً البروفات وفيها ولأيام تعرفت على نجم العرب ولبنان.. كان لطيفاً مهذباً محترماً إلى أقصى درجة ممكنة.. ملتزماً إلى حد الحرج.. نعم أحرجنا كثيراً بأدبه والتزامه.. ونجح الحفل حتى من غاب لظروف قهرية أرسل من ينوبه كما فعل الفنان الراحل نور الشريف وقد أرسل ابنتيه!
تمر الأيام من جديد.. لا لقاءات ولا اتصالات ويأتى يوم إعلان ترشح الرئيس السيسى لرئاسة مصر ويصادف أن نوجد بقناة «التحرير» أو «تن» الآن، ونعرف أن عدداً من الفنانين العرب يرغبون فى المشاركة فى هذه المناسبة برسالة للمصريين وللمشير عبدالفتاح السيسى وقتها وطلبوا وليد توفيق، مع حفظ الألقاب، ولم يرد فطلبت أن أطلبه وأن أحاول من جديد.. كان التليفون لمنزله وليس للهاتف المحمول وتوقعت مغادرته للمنزل لأى سبب لكنه وبعد الترحيب وتذكره لاحتفال «الأسبوع» قال إنه ينتظر المكالمة ولا يمكن أن يغادر منزله إلا بعد مشاركة مصر وشعبها فى يومهم وقال إنه بشكل شخصى، ولم يكن على الهواء بعد، يحب هذا الرجل ويقدر ما فعله لإنقاذ مصر!
ثم قال على الهواء ما قاله حباً فى مصر وأهلها وكيف كان يتمنى أن يكون فى مصر هذا اليوم!
ستعرفون قيمة السطور السابقة أكثر وأكثر لو عرفتم كم فناناً مصرياً تملص من مناسبات مشابهة، وكيف جبن الفنان المعروف من أداء دور فى مسلسل ثروت الخرباوى الإذاعى «التنظيم السرى» خوفاً من الإخوان، وكيف اشترطت الفنانة الفلانية أن يأتوا بالكوافير الفلانى وأنه لا غيره يعرف تفاصيل شعرها وأنه سيقدم لهم خصماً من أجلها وأجل شعرها!! كثيرة هى القصص والحواديت، وكثيرة أيضاً قصص حب الوطن ووضع الأنفس تحت خدمته.. لكن يبقى لمواقف البعض ما لا يمكن محوه أو نسيانه، ومنها شكل الشيك الذى يحمل عائد ألبوم لطيفة محولاً لصندوق تحيا مصر، وكيف هاجمتها اللجان الإلكترونية بسببه فى محاولة يائسة لتشويهها زاعمين أنهم كتوانسة يستنكرون ما تفعله لطيفة لمصر ولم تفعله لبلدها.. رغم أنها أيضاً تفعل لبلدها!
وبين أحداث لبنان وتونس.. والتى تحمل الأيام القادمة ما ندعو الله ونرجوه أن يكون خيراً للبلدين ولأهلنا هناك.. نقف أمام «حب» فنانين كبيرين رائعين لمصر.. أم الدنيا كما يصفونها.. وكما هى فعلاً!