بقلم - حسن المستكاوي
** «نحن نؤمن بشىء ما ونحلم
نحن هناك، حيث كان الناس ينتظروننا
وحتى عن طريق الرياح
لدينا هدف واحد فقط فى قلوبنا».
** هذه كلمات من الأغنية الرسمية لكأس العالم فى روسيا، وتعكس مشاعر الشعوب ووحدتهم واتحادهم والتفافهم حول تلك البالونة المستديرة. وقد أطلقت بعض الدول المشاركة فى المونديال أغنيات مبهجة تعبر عن روحها أو فرحتها بكونها طرفا فى تلك الحفلة الإنسانية الكبيرة التى تتكرر كل أربع سنوات.. فالعالم يعيش حالة بهجة وسعادة وفى أجواء احتفالية، على الرغم من تقارير لوكالات أنباء تشير إلى أن تلك الحالة غير موجودة فى ورسيا وفى مدنها وشوارعها، كأن الروس لا يهتمون بالمونديال ولا بكرة القدم. بينما فى البطولات السابقة كانت شوارع الدول التى تستضيف كأس العالم تتحول إلى ساحات كرنفال احتفالا باللعبة الشعبية الأولى.
** إذا كانت الألعاب الأولمبية تعد أكبر حركة سلام عرفتها البشرية، من واقع تاريخها ونشأتها كهدنة توقف الحروب بين دول الإغريق، ومن واقع حاضرها، حيث يشارك بها الآلاف من شباب العالم ويتجاورون ويتحاورون فى محبة وسلام، فإن المونديال يعد بمثابة أكبر حفل عرفه البشر.. فبطولة كأس العالم «دورة ألعاب» رياضية وحضارية واقتصادية وثقافية وسياسية. فكرة القدم هى الظاهرة العالمية الأوسع والأعرض.. والمونديال احتفال كبير حاشد وهائل، يقام كل أربع سنوات، ويشهد لقاء بين الحضارات والثقافات، وتسقط فيه حواجز اللغات والأديان والإيد لوجيات..
** والواقع أن كرة القدم باتت فى حياة الشعوب بحجم الكرة الأرضية وأصبحت نتائجها تمس كبرياء الأمم. وتحولت من مجرد لعبة رياضية إلى ظاهرة سياسية واجتماعية عالمية. لقد تعدت كرة القدم حدود الساحة الخضراء. وعكست كل أشكال الصراع المشروع. وهى اللعبة التى سيطرت على النفوس وخلبت الألباب، وتعد جزءا من ثقافات الغرب والشرق. بل إن كرة القدم تكون أحيانا مظهرا للتأييد أو للرفض السياسى.. ففى الأرجنتين، كان اتحاد كرة القدم، والذى تأسس فى 1893، يحظر الكلام بالاسبانية لغة المحتل، وقضى بألا يقبل اللاعب المتضرر اعتذار المعتدى إلا اذا صاغه صاحبه، واضحا وجليا، باللغة الانجليزية.
** لقد أسقطت كرة القدم كل الحواجز بين البشر، ففى منتخب ألمانيا لاعبون من أصول إفريقية وعربية، وفى منتخبى فرنسا وإنجلترا لاعبين من أصحاب البشرة السمراء، والطريف أنه عندما فازت فرنسا بكأس العالم عام 1998 ودارت عدسات المصورين لتسجيل لحظة من أعظم لحظات الشارع الفرنسى قال السياسى اليمينى المتطرف جان مارى لوبان تعليقا على صورة جمعت بين لاعبى الفريق البطل والرئيس جاك شيراك: إنه لأمر لطيف أن أرى فرنسيا فى الصورة
وكانت تلك أيضا إشارة إلى أن معظم لاعبى الفريق الفرنسى من أصول غير فرنسية وأن رئيس الجمهورية هو الفرنسى الوحيد فى الصورة التذكارية للمنتخب المنتصر..!
** علاقة كرة القدم بالهوية الوطنية مشهودة ومعروفة. فالأوطان اختصرت فى منتخبات وفى فرق. ونتائج كرة القدم من انتصار وانكسار تمثل عند شعوب سببا للفخر والتباهى، وسببا أيضا لذرف الدموع. إن علاقة كرة القدم بالهوية الوطنية تكون شديدة التناقض فى أحيان أيضا. فقد ولدت اللعبة وتطورت عندما نشأت الدول فى أوروبا وترسخت. وحملت تلك الرياضة مهمة ترسيخ الهوية الوطنية. فعن طريق الاحتشاد والاحتفال بفريق يشعر أنصاره بالانتماء المشترك. ويقال إنه ظهرت بوادر تصدع الاتحاد اليوغوسلافى فى أثناء مباراة كرة قدم بين فريقى زغرب (المدينة الكرواتية الأولى) وبلغراد (المدينة الصربية) فى مارس 1990. وحصدت المشادات بين مناصرى الفريقين نحو 60 إصابة خطيرة. وتكرر الأمر بين فريقى سلوفاكيا وتشيكيا، جناحا تشيكوسلوفاكيا سابقا.
** أن الرياضة ومنافساتها ومباريات كرة القدم هى ساحة إعلاء الكبرياء، فى صراع حضارى كامل، وتلك الساحة ليس لها مثيل، وهى أصدق الساحات وأعدلها، فالنتيجة مثل هى الحكم (بضم الميم) ليس فيها نقض، ولا دفاع، ولامناقشات، ولاتعليق. فالفائز يفوز والأول هو الأول.. هو الأفضل بمعايير القدرة البشرية والمنافسة.. ولعل ذلك يجعل الذين يرون كرة القدم مجرد لعبة أو لهو وقضاء وقت فراغ يدركون أهمية اللعبة ومغزاها، وعمقها وجوهرها.. ولماذا يعيش العالم حالة بهجة الآن احتفالا بكأس العالم..؟!
المصدر :الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع