توقيت القاهرة المحلي 15:59:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

.. ودولة الرسول ودولة الناس (2)

  مصر اليوم -

 ودولة الرسول ودولة الناس 2

بقلم - عادل نعمان

ويحاول تيار الإسلام السياسى أن يؤرخ ويؤصل لشرعية الدولة الدينية، ويعتمد وجوبها منذ حطَّ الرسول رحاله فى «أثرب» يثرب، ويرصدون خطوات بنائها حين بدأ بتخطيط المدينة وتحديد مراكزها ورسم حدودها وترقيم أطرافها ووضع علامات مميزة على جوانبها، وبنائه المسجد وما حوله من حجرات لإقامته وآل بيته، ووثقوا هذا على أنه تحديدٌ لشكل الدولة وأركانها وإقامة عاصمتها وتشييد دار للحكم، إلا انهم أغفلوا أمرين الأول: أن الرسول لم يشيّد دارا للحكم، بل كان المسجد للعبادة والتعليم والإرشاد والتوجيه والتفقه فى الدين وإبلاغ الوحى عن الله والفصل فى النزاع بين الناس، ومركزا لإقامة من لا مأوى لهم، ومركزا للقيادة العسكرية وتنظيم الغزوات والسرايا. والثانى: ما قاله الرسول لما خطَّ الحدود والحرم «لكل نبى حرم، وحرمى المدينة».. هكذا قالوا، فهى دولة الرسول أو دولة النبوة، شاغلها الرسالة وتمكين الدعوة وحفظها وصيانتها، والأهم أن يشب هذا المولود الجديد فى أمان محاطًا بسياج حول المدينة يقيه شر أهل مكة وغدرهم، ويحفظه من الصراع التاريخى المتأجج بين الأوس والخزرج فى المدينة وتربص يهود المدينة به، ولم يكن شاغل الرسول إقامة الدولة، بل الحفاظ على رسالته الجديدة.. هذه دولة الرسول.

أما عن وثيقة المدينة «كتاب الموادعة بين المهاجرين والأنصار واليهود وقدامى العرب»، فهذا هو اسمها التاريخى الواقعى، وليس كما أطلقوا عليها «دستور المدينة»، لصبغتها سياسيا وتأصيلا لفكرة الدولة الدينية. ولفظ دستور هو لفظ حديث «اصطلاحى»، وليس هو المقصود من هذه العهدة أو هذه «الموادعة»، ولم يكن أمر الوثيقة إلا دعوة واضحة للعيش فى سلام بين أهل المدينة بقبائلها وفصائلها (المهاجرون والأوس والخزرج وبنو عوف وبنو الحارس وبنو سعادة وبنو جشم وبنو النجار وبنو عمرو بن عوف وبنو النبيت وبنو ثعلبة) «ومعظم الفصائل من اليهود، وقد كانت لهم الثروة والمال والتجارة». وكان الهدف من الوثيقة هو «الموادعة والمسالمة والمهادنة» ووحدة الصف والتصدى لأى عدوان خارجى على المدينة، خصوصا من مكة، وضمان حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية لكل الأديان، بما فيها عبدة الأوثان!، حسب رغباتهم جميعا ودون مضايقات من أحد.

ونتصور أن هذه الوثيقة كانت فى مصلحة المسلمين حفاظا على الدين الجديد، ولم يكن فى الوثيقة ثمة إشارة للدولة من قريب أو بعيد، فهجرة الرسول إلى المدينة هجرة دين وليست هجرة سياسة، وإقامة دين وليست لإقامة حكم.

ولم يكن النزاع فى سقيفة بن ساعدة على خلافة الرسول، بل عودة حق الريادة والقيادة إلى الأنصار بعد غياب صاحب الرسالة ودولة الرسول التى تنازلوا عنها عن طيب خاطر لإتمام الدعوة.. هكذا عبر أحدهم بهذا: «أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط النبى، وقد دفت دفة منكم تريدون أن تختزلونا من أصلنا، وتحصنونا من الأمر».. والمعنى: نحن الأنصار جيش الإسلام ومجاهدوه، وأنتم عشيرة النبى وأهله، وقد سارت جماعة منكم تختزل الأمانة ولا تقبل ردها لأصحابها وتمنع ردها إليهم «والأمر هو الحكم، وقد كان أمانة عند الرسول، أما وقد اكتملت الرسالة وقبض صاحبها، فوجب على أهله وعشيرته ردها إلى صاحبها ردا جميلا، هكذا كان موقف الأنصار، ولو كان الرسول قد أسس دولة دينية، ما كان الصراع فى سقيفة بن ساعدة كاد يحسمه السيف، لولا خذلان الأوس لسعد بن عبادة، سيد الخزرج، ووقوفهم فى صفوف المهاجرين فى بيعة أبى بكر بديلا عنه ونكاية فيه وفى قبيلته حين عاد الصراع يطفو على السطح مرة أخرى».

فماذا قال أبو بكر؟ وماذا فعل عمر فى سقيفة بن ساعدة ردا على ما قال الأنصار؟ قال: «هذا الأمر إلا لهذا الحى من قريش، هم أوسط العرب دارا ونسبا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، وأخذ بيد عمر وأبى عبيدة»، إلا أن عمر بسط يده إلى أبى بكر يبايعه وعاونه على هذا رهط من الأوس، واجتمع القوم على هذه البيعة، ولو ذهبنا إلى خطبة أبى بكر فى المسجد للبيعة فلن نجد فى كل هذه الوقائع من أولها حتى جلوسه على كرسى الخلافة ما يشير من قريب أو بعيد لنظام الدولة أو معايير الاختيار أو شكل البيعة.. ولو كان الرسول قد وضع قواعدها، ما كان لهذا الشقاق والخلاف من سبيل، بل اتبعوا سُنة النبى فى هذا دون مراجعة أو تردد، فقد كانوا فى طاعة نبيهم، صغيرهم وكبيرهم، سواء أكان حيا أو ميتا.. وما ذهب أحد من الأنصار بعد وفاته إلى بيعة سعد بن عبادة سيد الخزرج.

وللحديث بقية..

«الدولة المدنية هى الحل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 ودولة الرسول ودولة الناس 2  ودولة الرسول ودولة الناس 2



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon