ولم يفاجئنى الدكتور زاهى حواس بهذا التصريح لإحدى القنوات الفضائية (لا يوجد فى الآثار المصرية أى ذكر لأنبياء الله، ولا يوجد أثر لوجود سيدنا إبراهيم أو سيدنا موسى أو خروج اليهود من مصر، وليس لدينا دليل تاريخى على هذا)، وطبقًا للكتب السماوية (نعم.. خرجوا من مصر، لكن ليس لدينا قرينة أو إثبات على هذا الخروج)، ولا يخفى على السامعين أن ضرب البحر بالعصا وانحسار الماء وانشقاق البحر لموسى وقومه أيضا ليس لديه دليل.
فإذا غاب الأصل غاب الفرع «على ما صرح به د. حواس»، ومنذ فترة وجيزة خرج علينا عالم الآثار اليهودى «زائيف هرتزوج» وفى قلب تل أبيب، نقلًا عن مقال للدكتور وسيم السيسى فى «المصرى اليوم»، يقول هرتزوج: «سبعون عامًا من الحفر والتنقيب وصلنا إلى طريق مسدود، الأمر كله مختلق، ولم نجد دليلًا واحدًا يؤكد وجودنا التاريخى على هذه الأرض، فنحن لم نهاجر إلى مصر، ولم نرحل إلى هناك إطلاقًا، ولم نجد أى ذكر لداوود أو سليمان، ولم نجد نجمة داوود، ما هو موجود فى التوراة مجرد خرافات وأساطير».
والدكتور زاهى حواس يفلت من الصدام بذكاء، وأراه يترك الباب مفتوحًا، حين يصرح بأن معالم التاريخ القديم مازال منها تحت الأنقاض الكثير والوفير، ولربما يخرج علينا عالم آثار من تلامذته بوثيقة أو مخطوطة أو نقوش مسجل عليها هذا الخروج اليهودى من مصر أو وصول سيدنا إبراهيم، يذكرنى بطبيب يفتح بابًا للأمل لمريض مغلق بالضبة والمفتاح وهو يغادر العناية المركزة يأمل السلامة من عيون السلفية وتهمة إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة التى تنتظره على الأبواب.
وإذا كان الفرعون الإله كما ذكر الدكتور زاهى حواس، «الذى أحترمه وأقدره وأعذره فى نفس الوقت»، يرى كما يرى فضيلة الدكتور سعد الدين الهلالى، «الذى أحترمه وأقدره أيضًا»، قد اتفقا على أن الفرعون لا يقبل الهزيمة وينكرها بل ويحجبها لأنها ضد طبيعته، فهو لا يقبل أن تسجل هذه الانكسارات وهذا الخروج المخزى لليهود، فلا تصل إلينا.
وهو رأى سديد، لكنه ليس كذلك عندى!! أفلا تكون قد دونت فى حضارات أخرى وصلت إليها بحكم وصول اليهود كدولة فلسطين، وقبلها فى «التيه» أربعين عامًا فى سيناء حتى جاءهم يوشع بن نون الذى قادهم إلى فلسطين وعبر بهم إلى أريحا، ثم ماذا عن البلايا العشر التى أصابت مصر فى سفر الخروج؟ وتعالوا معًا إلى حكاية البلايا العشر!!
«ولكنى أقسى قلب فرعون» هكذا قال «يهوه» الله عند اليهود، فقد أقسى الله قلب الفرعون لينتقم منه هو والمصريين، ولما لم يصدع الفرعون ويلبى طلب موسى بخروج اليهود من مصر، فرارًا من ظلم واستعباد المصريين لهم، فقد قرر «يهوه» إنزال البلايا العشر عليهم، وقد كانت البلية الأولى: تحويل ماء النيل إلى دماء «السمك الذى فى النهر مات وأنتن النهر، فلم يقدر المصريون أن يشربوا من مائه.
وكان الدم فى أنحاء مصر» (سفر الخروج) وثانية البلايا: «أرسل يهوه الضفادع» تملأ أرض مصر، والثالثة: «أرسل عليهم البعوض يهاجم المصريين وحيواناتهم» وسار تراب مصر كله بعوضًا، (سفر الخروج).
والرابعة: الذباب الذى انتشر فى أنحاء مصر، والخامسة: موت جميع مواشى المصريين بمرض خطير دون مواشى اليهود الذين لم يمت لهم واحدة، والسادسة: انتشار البثور والقروح فى الناس والحيوانات كلها، والسابعة: «أرعد الرب بعصا موسى وأبرق نارًا جرت على الأرض، وأمطر الرب بردًا وكان شيئًا عظيمًا» (سفر الخروج).
والثامنة: «مُلئت أرض مصر بالجراد الذى غطى وجه الأرض حتى أظلمت الدنيا، وأكل الجراد جميع عشبها» (سفر الخروج)، والتاسعة: «يمد موسى يده ناحية السماء فيخيم ظلام حالك كل الأرض ثلاثة أيام فما كان الواحد يبصر الآخر، وبنو إسرائيل لهم نور فى بيوتهم»، (سفر الخروج).
وآخر البلايا: «قتل كل بكر فى مصر، من بكر الفرعون الجالس على عرشه، إلى بكر الجارية التى وراء حجر الطحن، ويموت كل أبكار البهائم»، (سفر الخروج).
ويؤكد كاتب التوراة على أن البلايا العشر التى أصابت المصريين كانت بإشارات من موسى إلى يهوه «الله» وأن اليهود فى مصر لم يصبهم ما أصاب المصريين وهم بين المصريين وبجوارهم، «انتهت البلايا العشر» وخرج موسى بصحبة اليهود من مصر، ولها حكايات وحكايات، أليست كل بلية من هذه البلايا لها ما يفرض تدوينها وتسجيلها وهى ساطعة كالشمس رغم أنف الفرعون وزوال ملكه وانتصار موسى وخروجه من مصر يصحبه اليهود؟ فإذا كان قد حجبها الفرعون وهو حى فمن حجبها بعد زواله وهلاكه؟
والدكتور طه حسين له رأى فى هذا نعرضه دون تعليق، وسأترك المقال وأغادره فورًا حتى لا نصاب ببلية من هذه البلايا العشر «للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا، ولكن ورود هذين الاسمين فى التوراة والقرآن لا يكفى لإثبات وجودهما التاريخى»، أليس لهذه الحيرة من شاطئ نرسو عليه؟ هل كل هذا حقيقة أم مجاز؟. «الدولة المدنية هى الحل».