بقلم - عادل نعمان
المصائب والكوارث ليست غضبًا إلهيًا أو انتقاما من ظالم أو فاسق أو تارك شعيرة أو عبادة أو حتى مجترئ أو خارج على الله وأديانه كلها. ولو كان الأمر كذلك لكان للمؤمنين الصالحين النصيب الأوفى من النعيم والرزق والسلامة.. ولو كانت على قدر الآثام والفجور، لكان حظنا منها القليل والنادر، وما كانت النوازل والشدائد تحيط بنا من كل جانب، من الغرب إلى الشرق، من زلزال المغرب إلى حرب الجيوش فى السودان وتشريد أهله، وإفلاس لبنان، والقتال المذهبى والطائفى فى اليمن، إلى فيضانات وأعاصير درنة وموت الآلاف، وجفاف دجلة والفرات، وموت البؤساء فى غزة برصاص الاحتلال الذى يتنعم بخيرات بلادهم دون غضب أو انتقام أو هزة أرضية تهزهم هزًا أو تحيط بهم كما أحاطت وحطّت علينا من كل جانب، وكما الدعاء الذى لا نملّ تكراره فى كل صلاة، أن ينتقم الله منهم ويشتت شملهم ويُيتم أبناءهم، حتى إن أحد الظرفاء قد ناشد المسلمين الدعاء لهم فى صلواتهم بالخير والبركة، وأن يدعو علينا بالويل والثبور وعظائم الأمور والكوارث، لعل الأقدار تغير الحال فنتبادل الأماكن، ويأخذون مما نكابده ونأخذ مما يتنعمون.
ظواهر الكون لها أسبابها العلمية، تسير معصوبة العينين، فلا تتبع المغضوب عليهم، ولا تلاحق الضالين، ولا تجامل المؤمنين فتحيد عنهم، لكنها تسير مسارها الطبيعى، تأخذ فى طريقها من وقف جامدا، وينجو منها من تغلب عليها بالعلم والفهم.. فلو نزل البحر مؤمن لا يجيد السباحة وزنديق يجيدها لنجا الزنديق وغرق الورع التقى، هذا هو قانون الطبيعة لا غيره اليوم وغدًا، وكذلك الذين يقيمون بيوتهم فى مخرات السيول لا ينتظرون من الدعاء رجاء، وعليهم أن يتقوا الله فى أولادهم ويعتمدون عليه ويغادرون هذه المخرات إلى حيث أمان الله فى أرضه الواسعة، كما فى درنة، غير هذا فالكون بأمره.
ولو عرف أنصار الإرهابيين والمتطرفين أن وجودهم فى درنة لسنوات أحد الأسباب الرئيسية فى تفاقم الأضرار التى أصابت أهل درنة من فيضانات وموت الآلاف جراء انهيار السدود، لعادوا إلى رشدهم واتقوا الله فى الطبيعة المظلومة.. والحكاية ببساطة أن الشرق الليبى هو أكثر المناطق المعرضة للعواصف، ودرنة هى أكثر هذه المناطق ضررا، وهى منطقة منحدرة وتقع فى مخرات السيول، يحميها من فيضانات البحر المتوسط التى تطل عليه سدان، أحدهما فى جنوب المدينة ويسمى «السد الكبير»، والآخر عند مدخل المدينة ويُعرف بـ«سد درنة»، وهما من السدود القديمة، وفى حاجة إلى ترميم وصيانة وتحديث.. ومع شدة العواصف والسيول، فقد تجمعت الأمطار لمسافة طويلة وتجاوزت قدرات السدين، فاستسلما وانهارا، وكانت الكارثة التى أدت إلى اختفاء مناطق بأكملها وموت الآلاف وتشريد أهل المدينة.
الأبحاث والتوصيات، العام الماضى، جميعها حذرت من كارثة العواصف وخطر السيول على درنة، ونبهت منظمات عدة الجهات المعنية لصيانة السدود وتحديثها وكذلك خطر البناء والإقامة فى مخرات السيول.. وبدورها، فقد تعللت هذه الأجهزة من سوء الأوضاع الأمنية وتفشى الإرهاب وسيطرة تنظيمات متطرفة على المدينة لسنوات وغياب دور الدولة، فكانت المأساة والكارثة التى واجهت الناس، وهذا عهدنا بهذه التيارات المتطرفة التى لا تحمل برنامجا إصلاحيا أو تنمويا حين كانت لها السيطرة والغلبة، وعهدنا أيضا بإهمال المسؤولين حين يتعللون بالماضى.
وهذه الظواهر الطبيعية وما تصنعه من كوارث فتصيب ملايين البشر أو ينجو منها غيرهم، إذا ما تركت مسارها فينجو مَن نجا، ليست انتصارًا لدين على الآخر، فما أصابت إلا بقانون، وما تركت مسارها إلا بقانون أيضا، فإن الله لا يستعرض قوته على الضعفاء ويشردهم هنا أو هناك، ولا يثبت قوته بموت الأطفال تحت الأنقاض، ولا يتباهى بصراخ المكلومين على موتاهم، ولا يباهى ملائكته بأعداد الموتى فى المقابر الجماعية، إنما هى الطبيعة وما تحمله من خير وشر وحياة وموت، وقانون ثابت لا يتغير ولا يتبدل.
وما لنا إلى الآن لا نعرف التهمة الموجهة للطبيعة من هؤلاء، فإذا أصابت غيرنا كانت عقوبة إلهية تستهدف العصاة المفسدين والظالمين، وإن أصابتنا كانت امتحانا واختبارا للمؤمنين الموحدين.. كيف والقاعدة الإلهية «ولاتزر وازرة وزر أخرى».. فكيف يكون العقاب جماعيا؟، وما جريرة المؤمنين الذين لقوا حتفهم وشردوا حين عاقب الله الظالمين بالزلازل والبراكين؟، وماذا عن ملايين العصاة والمذنبين فى مشارق الأرض ومغاربها آمنين سالمين لم يصلهم العقاب يوما ولم يطلّ عليهم الانتقام ساعة؟.. والأمر الأهم عندى أن يرى الإنسان فى ربه ما يراه فى الناس من حوله، فيراه على صورته فى الانتقام أو العقاب، فإن الله لا يغضب كما نغضب، أو كما تغضب الطبيعة.. وننزهه عن هذا الضعف!.
«الدولة المدنية هى الحل