توقيت القاهرة المحلي 18:32:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التنوير بين المطرقة والسندان

  مصر اليوم -

التنوير بين المطرقة والسندان

بقلم - عادل نعمان

وعن مطرقة رجال الدين وسندان رجالات السياسة، يقول الشيخ على عبدالرازق: (إن رجال الدين فى جميع الأمم والعصور يطلبون الحكم، ويريدون أن يكون بيدهم زمام الناس، يأمرون فيهم وينهون، ويحرمون عليهم ويحللون، فإذا لم يستطيعوا أن يكونوا هم أنفسهم ولاة الأمر وأرباب السلطان، التجأوا إلى رجال الحكم السياسى يستمدون منهم القوة ويتخذونهم وسيلة إلى الحكم. والحكام السياسيون من الجهة الأخرى يريدون أن يكون لهم على قلوب الرعية سلطان دينى، يثبت لهم الحكم ويمكّن لهم من رقاب الأمة، لذلك كانوا يزعمون أنهم ينوبون فى الحكم عن الله).

رحم الله العلامة ما بقى هذا الحلف قائما.. نحن صناعة هذا الائتلاف بين رجال الدين ورجال السياسة، فما كنا من أهل الدنيا ولا فزنا بالآخرة، ورحم الله عقيل شقيق الخليفة على حين اشتراه الخليفة معاوية وترك جيش شقيقه ليحارب فى صفوف معاوية، ولما سأله معاوية عن أخيه، رد عليه «أخى خير لى فى دينى وأنت خير لى فى دنياى» فكان صادقا مع مراده، وكذلك يفعلون.

والخلاف بين الطرفين، وإن بدا بينهما ظاهرا ومحتدما حتى القطيعة، إلا أن هذا الخلاف وهذه القطيعة على خشبة المسرح فقط «شىء لزوم الشىء»، والود موصول خلف الكواليس «سمن على عسل»، وما قطع أحدهما أمرا إلا وكان للطرف الآخر المشورة والأجر والثواب.

وأكاد أجزم بأن مقولة «الإسلام دين ودولة» بداية «التأصيل الشرعى» لرجال الدين لهذا الحلف «وعهد وذمة وكفالة» لرجال السياسة لهذه الخدعة، وهى وثيقة دم بين الطرفين لا يتخلى أحدهما عن الآخر، شقائق بلا انشقاق، والتزاق دون افتراق، واقتران دون هجران، ولا أتصور أن بداية هذا العهد جاءتنا منذ الخليفة معاوية حين حوّلها إلى مُلك عضوض، حين أحاط نفسه برواة الأحاديث، ولا كان منذ عهد الخليفة عثمان حين مكن بنى أمية من مفاصل الخلافة، حين ألبس نفسه قميصا ألبسه الله، ولا كان منذ عهد أبى بكر حين حول وجهة الجيوش الستة من تأديب أهل الجزيرة إلى غزو بلاد الشام وفارس، وذلك لصرف المقاتلين عن العودة إلى المدينة التى لا تقوى على طموحاتهم واحتياجاتهم، ولا كانت يوم سقيفة بن ساعدة حين دب الخلاف بين المهاجرين والأنصار على الخلافة وكادت السيوف تخرج من أغمادها للاستيلاء على الحكم والريادة.

واسمع ما قاله العميد طه حسين فى كتابه «فى الشعر الجاهلى» لتتعرف على الزمان والمكان (حين كان النبى وأصحابه مستضعفين، فقد كان الجهاد جدليا خالصا، وكان النبى يكاد يقوم به وحده، يجادلهم بالقرآن ويقارعهم بالآيات المحكمات، وهو كلما بلغ من ذلك حظا انتصر له قومه حتى تكوّن له حزب ذو خطر، ولكنه لم يكن حزبا سياسيا، غير أن هذا الحزب كلما اشتدت قوته اشتدت مناضلة قريش له، حتى كان السبيل الفرار والهجرة إلى المدينة، ونستطيع أن نسجل مطمئنين أن الهجرة قد وضعت مسألة الخلاف بين النبى وقريش وضعا جديدا، جعلت الخلاف سياسيا، يعتمد فى حله على القوة والسيف، بعد أن كان دينيا يعتمد على الجدال والنضال بالحجة ليس غير).. انتهى.

وقد كان أمرا طبيعيا حين كانت الهجرة هروبا بالدعوة الوليدة، إلا أن هذا الأمر لم يتغير، وقد أصبح صكًا مقبولًا ساروا عليه واعتمدوه كما كان من قبل، وأضحى الفكاك منه وحلّه كحل العروة الوثقى وزيادة، وقد كان من اللازم أن يعود الدين كعهده بعد زوال الأسباب التى فرضت عليه.

فإذا ما رأيت دولة يتصدرها رجال الدين، ويشغلون القنوات الفضائية، ويقتحمون البيوت من كل المنافذ حتى غرف النوم وبيوت الراحات، ويملأون الفاضى والمليان والفراغات والثغرات.. فاعلم أنه اختيارات رجالات السياسة والحكم.
وليس من حل لضحايا هذا التحالف الدينى والسياسى المستبد سوى «التنوير والتعليم وإضاءة الطريق أمام الشعوب»، فهى الضمانة والحصانة من مؤامرة التجهيل، وهى الطريق إلى المعرفة والفرز فى مواجهة سياسات التعتيم والتضليل، وهى السبيل إلى الوعى لإدراك الحقائق، والنور الذى يطارد الظلام والأوهام والخرافات، وهى أيضا حائط الصد ضد تغول السلطة السياسية والتعدى على بنود العقد الاجتماعى وفرض سطوتها وسلطانها على حقوق الشعوب ومصادرة الحريات، والسبيل الأمثل والناجح فى حسن الاختيار والانتقاء، وإفساح الطريق للأمثلة والقدوات العلمية والخبرات الميدانية، لتتقدم الصفوف والميادين وتقود الأمم للنجاح، فلا نجاح دون علم واستنارة، ولا تقدم دون خبرة، ولا فلاح دون حرية.. هى الأصل والأساس لكل ما سبق.

«الدولة المدنية هى الحل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التنوير بين المطرقة والسندان التنوير بين المطرقة والسندان



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟

GMT 23:31 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

توقيف سيدة تُدير شبكة دعارة داخل شقة سكنية في السويس

GMT 18:19 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«المركزي» يعلن مواعيد عمل البنوك في رمضان 2021

GMT 12:03 2021 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

قمة نارية بين برشلونة وإشبيلية في نصف نهائي الكأس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon