بقلم - عادل نعمان
.. ولمَّا نقول إن ضبط المصطلح «التعريف» شرط للتأويل ومن ثم التفسير، فإننا نكون قد أصبنا كبد الحقيقة.. فإذا كان مصطلح النكاح «الزواج» عند شعوب الصحراء «الاستمتاع بمحل الوطء»، فإن التأويل ومن ثم التفسير يسيران مسار الغلظة والجاهلية لا يحيدان ولا يميلان.. أما إذا كان النكاح «الزواج» تعريفه «مزاوجة ومساكنة وترابط وبناء أسرة سعيدة متماسكة»، فإن التأويل ومن ثم التفسير يسيران مسار التمدن والسمو لا يحيدان، ومن ثم فإن المعاملة بين الأزواج مرهونة بتعريف نوع العلاقة. ولما كان تعريف العلاقة الزوجية عند رجال الدين القدامى والمحدثين يقف عند لغة العرب القديمة وهى: «المضاجعة والمناكحة والامتطاء والاعتلاء والمجامعة والمخادنة والمواقعة والمباطنة والمسافدة والمهاجمة والمباشرة والمقارعة» وكلها صور للعلاقة بين الثور والبهيمة، فيقال امتطى الرجل الدابة أو اعتلاها أو ركبها وهكذا.. ويشرح القرطبى أن العرب تكنى المرأة بالنعجة أو الشاة أو البقرة والناقة وكل مركوب، فما كان من الرجل إلا أن يعامل المرأة بسوء معاملة البهائم، ولا يرى لها من الحقوق ما يتجاوز حقوق الدواب حتى لو كانت خاتمتها إنجاب أطفال، وليس هناك ما هو أردأ من هذا وأقل منه شأنا.
وفى شرح المنهاج لأبى حجر العسقلانى أن أسماء النكاح عند العرب بلغت ألفا وأربعين اسما، ليس فيها ذِكر للأسرة أو المودة أو الألفة أو بناء المجتمع، فكان التأويل والتفسير يبدآن وينتهيان عند الاستمتاع وقضاء الشهوة لا يتعديانها.. وهذا ما دفع الفقهاء وفقًا لهذا التعريف الناقص إلى اعتبار المرأة وعاء لإشباع شهوة الرجل وقضاء وطره، وهو أساس الفتوى والحكم على المرأة «وزعموا زورًا وبهتانًا أنها شريعة الله»، حتى اختلط الأمر على الناس وظنوا أن هذا دين الله وقدر المرأة، وليس الأمر كذلك، بل لا يعدو أن يكون سلوكا جلفا، وحقوق طرف ضعيف من الأطراف ضائعة ومغبونة مرهونة بمصطلح مبتور هارب من الحداثة.
ودعونا نُزِد في الأمر لنرى كارثة «التعريف» إلى أين وصلت بالمرأة؛ فهذا شيخ الإسلام بن تيمية يضعها في صف العبيد «المملوك» ويقول: «المرأة والمملوك أمرهما واحد» وهى قاعدة معتبرة عندهم، فإذا مل الفقهاء تكرار الفتوى أو عجز أحدهم عنها فليرجع إلى «أحكام العبيد».. فكلها تنسحب على المرأة دون حرج في مأكلها ومشربها وملبسها والاستمتاع بها.. وقد أخذها من عمر بن الخطاب حين قال «النكاح رق، ولينظر أحدكم عند من يرق كريمته»، وتم تفسيرها بهذا الشكل ولهذا اعتبر كثير من رجال الدين أن «النفقة مقابل المتعة» تتوقف حال امتناعها برضاها أو بغير رضاها عن إمتاع الرجل، بل وصل الأمر إلى وقف الإنفاق عليها في حال عجزها وهرمها، واختلفوا في علاجها وكفنها إذا ماتت، وهل هذا حق عليه أو على أهلها.
وابن تيمية يقول «إن المرأة لحم على وضم»؛ والوضم هو الخشبة التي يقطع عليها الجزار اللحم، لاحول لها ولا قوة، ويرى بن تيمية «أنه من الأفضل عدم تعليم المرأة، واستند إلى عمر بن الخطاب الذي نهى عن تعليم المرأة الخط والحساب، ويرى كغيره أن التعليم وسيلة للفضائل إذا ما أحسن استخدامها، وهو أيضا وسيلة للرذائل إذا ما أفسد الإنسان استخدامها، فإذا أمكن للإنسان أن يحقق الفضيلة دون التعلم فهذا أفضل». وللشيخ بن عثيمين رأى «أن المرأة تتعلم بالقدر الذي تحتاجه فقط لأن التعلم تعب وإرهاق»، وهذا بن أبى الثناء يقول «إن الكتابة للمرأة مدعاة للزنى». وهذا بن القيم الجوزية يقول «إن لولى الأمر الحق في حبس المرأة إذا أكثرت من الخروج، وأجاز التعدى على المرأة وتلطيخ ملابسها بالأحبار والأوساخ إذا خرجت سافرة»، وقد رأينا هذا الفعل جهارا نهارا في المواصلات العامة، والاعتداء على البنات السافرات وقص شعرهن وتلطيخ ملابسهن بهذه الآراء والفتاوى المحرضة، فقد أباح بعضهم أيضا للعوام من الناس القيام بهذه المهمة إذا أوقفها ولى الأمر، وزادها مشايخنا بالإذن لهؤلاء بالتحرش والاعتداء على البنات في الشوارع.
.. ولمَّا نطالب بضرورة ضبط المصطلحات والتعريفات الشرعية على أن يتفق التعريف مع الهدف والغاية ومع القيم الإنسانية، فنحن نصلح ما هو معوج، ونعدل ما هو مائل، ونقيم بناءً حضاريا معتدلا ومتوازنا وممتدا غير هذا البناء الهش الفاسد، والاستدلال العقيم وتلبيس الحق بالباطل، كالزواج «النكاح» كما أسلفنا.
مطلوب ضبط المصطلحات كالشريعة مثلا، منها ما هو مقدس ومنها ما هو بشرى.. «الكفر» وتعريفه «الإنكار» وليس بمعناه الاصطلاحى الحديث الذي وصل إلى قتل الكافر، وكذلك الفتوى وتعريفها بـ«الرأى الذي يمكن تركه أو الأخذ به». وأيضا «الجهاد» وتعريفه «جهاد النفس وتحصيل العلم والعمل البناء»، وترسيخ فكرة جهاد الدفع وصرف الناس عن جهاد الطلب، وأيضا ازدراء الدين، والردة.. ولنا في كل هذا رأى مخالف.
(الدولة المدنية هي الحل)