توقيت القاهرة المحلي 14:41:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ضبط المصطلحات شرط للتأويل والتفسير

  مصر اليوم -

ضبط المصطلحات شرط للتأويل والتفسير

بقلم - عادل نعمان

.. ولمَّا نقول إن ضبط المصطلح «التعريف» شرط للتأويل ومن ثم التفسير، فإننا نكون قد أصبنا كبد الحقيقة.. فإذا كان مصطلح النكاح «الزواج» عند شعوب الصحراء «الاستمتاع بمحل الوطء»، فإن التأويل ومن ثم التفسير يسيران مسار الغلظة والجاهلية لا يحيدان ولا يميلان.. أما إذا كان النكاح «الزواج» تعريفه «مزاوجة ومساكنة وترابط وبناء أسرة سعيدة متماسكة»، فإن التأويل ومن ثم التفسير يسيران مسار التمدن والسمو لا يحيدان، ومن ثم فإن المعاملة بين الأزواج مرهونة بتعريف نوع العلاقة. ولما كان تعريف العلاقة الزوجية عند رجال الدين القدامى والمحدثين يقف عند لغة العرب القديمة وهى: «المضاجعة والمناكحة والامتطاء والاعتلاء والمجامعة والمخادنة والمواقعة والمباطنة والمسافدة والمهاجمة والمباشرة والمقارعة» وكلها صور للعلاقة بين الثور والبهيمة، فيقال امتطى الرجل الدابة أو اعتلاها أو ركبها وهكذا.. ويشرح القرطبى أن العرب تكنى المرأة بالنعجة أو الشاة أو البقرة والناقة وكل مركوب، فما كان من الرجل إلا أن يعامل المرأة بسوء معاملة البهائم، ولا يرى لها من الحقوق ما يتجاوز حقوق الدواب حتى لو كانت خاتمتها إنجاب أطفال، وليس هناك ما هو أردأ من هذا وأقل منه شأنا.
وفى شرح المنهاج لأبى حجر العسقلانى أن أسماء النكاح عند العرب بلغت ألفا وأربعين اسما، ليس فيها ذِكر للأسرة أو المودة أو الألفة أو بناء المجتمع، فكان التأويل والتفسير يبدآن وينتهيان عند الاستمتاع وقضاء الشهوة لا يتعديانها.. وهذا ما دفع الفقهاء وفقًا لهذا التعريف الناقص إلى اعتبار المرأة وعاء لإشباع شهوة الرجل وقضاء وطره، وهو أساس الفتوى والحكم على المرأة «وزعموا زورًا وبهتانًا أنها شريعة الله»، حتى اختلط الأمر على الناس وظنوا أن هذا دين الله وقدر المرأة، وليس الأمر كذلك، بل لا يعدو أن يكون سلوكا جلفا، وحقوق طرف ضعيف من الأطراف ضائعة ومغبونة مرهونة بمصطلح مبتور هارب من الحداثة.

ودعونا نُزِد في الأمر لنرى كارثة «التعريف» إلى أين وصلت بالمرأة؛ فهذا شيخ الإسلام بن تيمية يضعها في صف العبيد «المملوك» ويقول: «المرأة والمملوك أمرهما واحد» وهى قاعدة معتبرة عندهم، فإذا مل الفقهاء تكرار الفتوى أو عجز أحدهم عنها فليرجع إلى «أحكام العبيد».. فكلها تنسحب على المرأة دون حرج في مأكلها ومشربها وملبسها والاستمتاع بها.. وقد أخذها من عمر بن الخطاب حين قال «النكاح رق، ولينظر أحدكم عند من يرق كريمته»، وتم تفسيرها بهذا الشكل ولهذا اعتبر كثير من رجال الدين أن «النفقة مقابل المتعة» تتوقف حال امتناعها برضاها أو بغير رضاها عن إمتاع الرجل، بل وصل الأمر إلى وقف الإنفاق عليها في حال عجزها وهرمها، واختلفوا في علاجها وكفنها إذا ماتت، وهل هذا حق عليه أو على أهلها.

وابن تيمية يقول «إن المرأة لحم على وضم»؛ والوضم هو الخشبة التي يقطع عليها الجزار اللحم، لاحول لها ولا قوة، ويرى بن تيمية «أنه من الأفضل عدم تعليم المرأة، واستند إلى عمر بن الخطاب الذي نهى عن تعليم المرأة الخط والحساب، ويرى كغيره أن التعليم وسيلة للفضائل إذا ما أحسن استخدامها، وهو أيضا وسيلة للرذائل إذا ما أفسد الإنسان استخدامها، فإذا أمكن للإنسان أن يحقق الفضيلة دون التعلم فهذا أفضل». وللشيخ بن عثيمين رأى «أن المرأة تتعلم بالقدر الذي تحتاجه فقط لأن التعلم تعب وإرهاق»، وهذا بن أبى الثناء يقول «إن الكتابة للمرأة مدعاة للزنى». وهذا بن القيم الجوزية يقول «إن لولى الأمر الحق في حبس المرأة إذا أكثرت من الخروج، وأجاز التعدى على المرأة وتلطيخ ملابسها بالأحبار والأوساخ إذا خرجت سافرة»، وقد رأينا هذا الفعل جهارا نهارا في المواصلات العامة، والاعتداء على البنات السافرات وقص شعرهن وتلطيخ ملابسهن بهذه الآراء والفتاوى المحرضة، فقد أباح بعضهم أيضا للعوام من الناس القيام بهذه المهمة إذا أوقفها ولى الأمر، وزادها مشايخنا بالإذن لهؤلاء بالتحرش والاعتداء على البنات في الشوارع.

.. ولمَّا نطالب بضرورة ضبط المصطلحات والتعريفات الشرعية على أن يتفق التعريف مع الهدف والغاية ومع القيم الإنسانية، فنحن نصلح ما هو معوج، ونعدل ما هو مائل، ونقيم بناءً حضاريا معتدلا ومتوازنا وممتدا غير هذا البناء الهش الفاسد، والاستدلال العقيم وتلبيس الحق بالباطل، كالزواج «النكاح» كما أسلفنا.

مطلوب ضبط المصطلحات كالشريعة مثلا، منها ما هو مقدس ومنها ما هو بشرى.. «الكفر» وتعريفه «الإنكار» وليس بمعناه الاصطلاحى الحديث الذي وصل إلى قتل الكافر، وكذلك الفتوى وتعريفها بـ«الرأى الذي يمكن تركه أو الأخذ به». وأيضا «الجهاد» وتعريفه «جهاد النفس وتحصيل العلم والعمل البناء»، وترسيخ فكرة جهاد الدفع وصرف الناس عن جهاد الطلب، وأيضا ازدراء الدين، والردة.. ولنا في كل هذا رأى مخالف.

(الدولة المدنية هي الحل)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ضبط المصطلحات شرط للتأويل والتفسير ضبط المصطلحات شرط للتأويل والتفسير



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon