بقلم - عادل نعمان
وكما أن بعض المشايخ الكرام لا يملّون الحديث عن الغث كما السمين، وعن التافه كما القيّم من الأمور، ويطربون من كثرة التكرار والإعادة، بل جُل سعادتهم أن المسلم بين أيديهم يقلبونه ليل نهار، لا يفلت إلا ساعة للنوم من ليل، أو ساعة للغفلة من نهار، ولأننا لن يصيبنا الضجر أو اليأس من تكرار التكرار، حتى يصيب السهم يوما مرماه، ويعلم القوم أن أمور الدنيا والحياة هى صنعة الإنسان وليست صنعة الأديان، وإن الله قد ترك أمور الدنيا كلها من بداية خلقه إلى نهايته من مأكل ومشرب وملبس وسلوك ومعاملات وعلم وعلوم وتواصل حسب ما تفرضه الحاجة وعلوم الدنيا، وما يراه الناس صالحا وتفرضه حركة التاريخ، وكل عام يطل علينا حديث عن الأضحية يسبقه أو يلحقه حديث آخر عن البوركينى، ربما يظن البعض أن الصلة بينهما مفقودة ولا رابط بين هذا وتلك.. إلا أن الأمر يبدو غير ذلك، فهما قريبا الصلة، وبينهما سياسة واحدة تجمع بينهما، وغطاء واحد يظلهما، ومنسق ومدرب عام فى كل الملاعب يقدم ويؤخر ويدرب، ومشجعون يشدون من أزر الفرق من حلقة إلى أخرى، والتراس يهتف هتافا واحدا «نحن هنا» على كل لون وشكل، وفى كل زمان ومكان، حتى لو كان على حافة حمامات السباحة وسط البكينى والعرى، أو ساحات الدم فى الأماكن العامة وسط الصغار والأطفال تنفيذا لوصية ألزمنا بها أبوالأنبياء.
ونبدأ بهذا «البوركينى» الذى يفتح علينا الأبواب فى كل صيف، ويظهر على كل ساحل مشاغبا ومشاكسا فيما استقر عليه الناس من زِىّ وموضة ألفها الناس ووافقوا عليها واستحسنوها واستمرأوها هكذا معارضا ومعاندا ومخالفا ومتحديا كما الحجاب والنقاب، وكأنه قد جاءنا شرعا وحكما وجب على النساء الالتزام به وليس بغيره، من تركته آثم قلبها، ومنكرة ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وكأن أركان الخلافة من الشرق إلى الغرب كانت تعج بهذا «البوركينى» على شواطئها فى كل صيف.
ولست ضد البوركينى، هذا المخلوق العجيب، ولكنى نصير ومؤيد لما تفرضه العادات والتقاليد والسلوكيات والتطورات الاجتماعية «الموضة» من أزياء على كل شكل ولون.. لا قيد عندى يفرض نفسه تحت أى مسمى، وهى سنة الحياة وانتعاش وتنامٍ وتطور تفرضه مجريات الأمور التى لا تقف عند تاريخ أو زى محدد، ويفرضه المستوى الإجتماعى والثقافة والتواصل العالمى، شأنها شأن العلوم والاختراعات العلمية، ولن نترك المجال بأى حال من الأحوال لهؤلاء الأوصياء أن يفرزوا ويجنبوا ويختاروا على هواهم ماذا نأكل وماذا نشرب ونلبس ونضاجع النساء، ويفرضون علينا تارة زيًّا باكستانيًّا على أنه زى إسلامى أو«بوركينى» على أنه لباس للبحر إسلامى.
وأعلمكم يا سادة أن المرأة فى الجزيرة العربية فى صدر الإسلام لم تكن ترتدى «سروالا» أو ملابس داخلية، ولم يكن هذا شأن الدول والأمم المتقدمة، بل فرضته طبيعة صحراوية بدوية فقيرة قاحلة.. فمن أرادت ارتداء البوركينى، فأهلا بها وسهلا دون التباهى بأنه رداء إسلامى تدعو له، وإن كنت أفضل لها نزول حمامات السباحة المخصصة للنساء أو فى الوقت المحدد دون تحد أو مزاحمة.
أما عن ثورة الأضاحى، فقد هالنى حجم التمرد والثورة والهروب لكثير من الثيران قبل الذبح بقليل، والمطاردات فى الشوارع بين أصحاب الأضاحى والضحايا من الثيران، بل وصل الأمر إلى انتحار خروف من على سطوح إحدى العمارات قبل أن تطوله يد الجزار، فالأضحية ليس عليها إجماع كسنة مؤكدة، وكما تقول كُتب السيرة إن الخلفاء أبابكر وعمر لم يؤديا هذا الطقس مخافة أن يلتزم به المسلمون، إلا أن المسلمين ومن خلفهم مشايخهم مُصرون على أن يكون الإسراف والغلو والتبديد والبعزقة هى الغالبة على المقصد والغرض.
وأؤكد أن الكثير مقتنعون بينهم وبين أنفسهم بأن هذا السفه فى الإنفاق يتعارض مع الجوهر والمقصد، يتناقض مع ما يحمله ضميرهم من إحسان ورأفة ورحمة بالفقير حتى لو لم يصرحوا بهذا، فهو إهدار للثروة الحيوانية، وسفه فى الاستهلاك أكبر بكثير من احتياج الفقراء، وفَقْدٌ لا مبرر له. وأعلم تمام العلم أن لحوم الأضاحى فى مناطق كثيرة يعاد بيعها للجزارين ومطاعم الكباب والكفتة بأقل الأسعار لزيادتها على استهلاك المحتاجين بكثير، وعدم قدرتهم على تخزينها عند الحاجة، ولو فتحنا ملفات المؤسسات التى تعمل فى صكوك الأضاحى لهالنا الأرباح الذى تحققها دون وجه حق، وأصبحت الأضحية عبئًا على صاحبها.. أما عن تحقيق الهدف والمراد، فأنا أتركه للقارئ الكريم.
ستقيموا يرحمكم الله، وقولوا قولًا سديدا يصلح لكم أعمالكم.. من أرادت الالتزام، فعليها عدم المزاحمة وعزل هذا البوركينى، فالعرى أرحم، ويُظهر أكثر مما يخفى.. أما عن الأضحية فقولوا للناس إنها ليست واجبة، وضعوا قواعد علمية تؤتى ثمارها دون تبديد، وحافظوا على الثروة الحيوانية واحفظوا للناس كرامتهم، ولا تُحملّوا الناس ما لا طاقة لهم به
(الدولة المدنية هى الحل)