توقيت القاهرة المحلي 00:06:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غزة والإبادة وهتافات النصر المبين

  مصر اليوم -

غزة والإبادة وهتافات النصر المبين

بقلم - عادل نعمان

لا أتصور أن التاريخ سيشهد بأن طوفان الأقصى انتصار لحماس مهما جلجلت وهتفت ودقت طبولها بالنصر المبين، ولو شاطرتها فى هذا كل الفصائل والفرق الجهادية الإسلامية حتى إيران وأقسموا جميعا جهد أيمانهم، مادام الشعب الفلسطينى المغلوب على أمره يقتل ويباد ويقتلع من جذوره، ويتكبد عناء التهجير، ويحمل متاعه القليل وأطفاله وشيوخه إلى هجرة لم يكونوا بالغيها إلا بشق الأنفس ولربما ماتوا جميعا قبل بلوغها، أو إلى خيام مهترئة على حدود مغلقة لا يملك أصحابها من الأمر شيئا، يتضورون جوعا، ويقاسون برودة الشتاء دون ستر، ويحرمون قطرة ماء نقية يروون بها ظمأهم، ويوارون جثامين أطفالهم الثرى دون جريرة ولا ذنب، حتى عز عليهم البكاء وجفت دموعهم وتشققت وتحشرجت صراخاتهم فلا تقوى على الأنين، وضن عليهم ضمير العالم فضاقت عليهم الأرض بما رحبت وناموا وسط أكفانهم وأشلائهم ورعدات الخوف فى عيون أطفالهم، ورجفات الرعب على وجوه أمهاتهم، ومصير الثوانى المقبلة الدامية لا يفارقهم لحظة واحدة.

والنصر المبين لحماس ربما يقبله الغرباء أو المطففون الذين يكيلون فيخسرون، إذا ما غابت خسائر الشعب الفلسطينى ومعاناته وقتلاه وضحاياه وأشلاؤه من المعادلة، حتى لتصبح المعادلة محصورة ومحدودة بين خسائر الكتائب الجهادية المقاومة للاحتلال، وما يتكبده المحتل الإسرائيلى فقط، يصبح النصر فى صالح المقاومة مهما كالوا على الناس وخسروا، حتى لو كانت أضعاف خسائر المحتل، فنكيل معهم ونقسم على النصر المبين، إلا أن المعادلة والكيل لا يقبل المساومة أيتها المقاومة، فلا نصر مقابل تشريد شعب وتيتم أطفاله وتجويعهم وتهجيرهم واقتلاعهم من ديارهم، ونزع أبسط حقوقهم الإنسانية فى المأكل والمشرب والنوم تحت غطاء وتحت سقف يقيهم برودة هذا الجو القارس، فلا نصر إذا هزم الشعب، ولا فتح إذا هجروا واقتلعوا من ديارهم، ولا فوز إذا شردوا بلا مأوى، ولا مقاومة إذا خلت الأرض من عمارها.

والحروب الحديثة غالبا ما تتبادل القوى المتحاربة كل الفرص، كلهم منتصرون ومنهزمون، إذا علت قدم طرف على آخر، تخلفت يده عند الأخرى، وإذا ارتقى فارس جوادا هنا نهض فى الصفوف فارسان هناك، كلها تؤخذ فى الحسبان عند التهدئة والتفاوض، والجهات والجبهات غالبا ما تتقابل وتتعادل وكأن النصر والهزيمة خارج المعادلة، كل طرف له معادلاته وحساباته الخاصة، حتى لتسمع عند الطرفين آيات النصر فى وقت واحد، وتوزيع الأوسمة والنياشين والقلادات على الشاشات، ومنح صكوك الشهادة والجنة والحور العين على موتى الجميع، وربك أعلم بمن فاز ومن خسر، هذه حروب الجيوش، أما عن الشعوب فالهزيمة مكشوفة إذا تركوا الديار، وملعونة إذا جاعوا وماتوا ودفنوا بالعشرات فى مقابر جماعية مجهولى الهوية، ومقروءة فى صفوف الجوعى، ومسموعة فى أنين الأمهات، وحاضرة على جثث القتلى فى الطرقات والمشافى وأسلاك الحدود والساحات، وصامتة على ألسنة شعب يتوق إلى ما كان قائما قبل الحرب، راضون العودة قبل الجهاد والنضال، يتوقون الإياب إلى بيوتهم يضمون جدرانها فى أحضانهم خلف الأسوار.

وأكاد أرى شبحا يتقدم فى عتمة الليل يتخفى وربما تظهر معالمه قريبا، فليس القضاء على حماس وكتائبها القتالية يستحق كل هذا الدمار، وما كانت عودة فتح لإدارة القطاع تتطلب هذا التهجير القسرى وهذه الأرض المحروقة والإزالة الممنهجة وطمس معالم غزة ومسحها، هذه الإزاحة وهذا الإقصاء مع الإبادة والشطب أكبر بكثير من القضاء على حماس وعودة فتح، وقد فتحت حماس بابا لإسرائيل ما كانت يوما تحلم به، بل وعجلوا لها القرار، وبات الحلم واقعا فرضته الأحداث من وسع، وأصبحت الأرض الغزاوية تحت هيمنتهم وسيطرتهم فارغة بلا شعب، خالية من الإنس والجن، شاغرة حتى من جدران البيوت وصور المدينة وأشجار الزيتون، ولا أتصور أن تفلت هذه الفرصة من أنياب إسرائيل، أو يصيبها الخبل وتسمح بعودة الغزاوية إلى ديارهم، فلم تسمح بحق العودة أو بقرارات وقف بناء المستوطنات، أو عودة الأرض المحتلة قبل أو بعد 67، فكيف تقبل عودة غزة وهى خاوية على عروشها؟، ستغلق إسرائيل الباب تماما بالضبة والمفتاح على دولة إسرائيل نفسها، وتتمدد فى القطاع ما أمكن لها هذا، وتقيم المستوطنات الحربية عازلة على ما تبقى لأهل غزة من القطاع، أما عن أحوال الغزاوية وتكدسهم فى رفح فهو آخر اهتمام إسرائيل وللأسف حماس، وعلى المدى الطويل يمكن تقليص أعدادهم بالهجرة والنزوح والتضييق عليهم فيتركون لهم الجمل بما حمل فى عام أو عشرة أو أكثر، قلنا ومازلنا نقول إن الحمساوية يكيلون كيل المطففين. «الدولة المدنية هى الحل».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة والإبادة وهتافات النصر المبين غزة والإبادة وهتافات النصر المبين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:14 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا
  مصر اليوم - محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon