توقيت القاهرة المحلي 00:06:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قيم الحداثة والمدنية تسعى وتسبق

  مصر اليوم -

قيم الحداثة والمدنية تسعى وتسبق

بقلم - عادل نعمان

والقيم الإنسانية والأخلاقية متجددة ومنتخبة ومنتقاة وتخضع لمقتضيات الاستحداث ومعايير الإنشاء وقواعد الاكتشاف كلما كانت الحاجة ليست راسخة وليست جامدة، موافق عليها بالرضا والقبول. وما يرى الناس منها فضيلة فى زمنٍ يراها غيرهم خطيئة فى آخر، وما كان مجال فخر وتباهٍ قديمًا فإن الناس تتوارى من فعله خجلا الآن وتستره عن العيون.. فقد كان الغزو يوما ماله أشرف الأموال، والزراعة والرعى أقل الأعمال شأنًا ومقامًا، وكان خطف الرقيق ونقلهم وبيعهم لبلدان كثيرة أمرا مقبولا وعملا تجاريا وتنمويا معتبرا، وكان السباق بين الأديان لاستقطاب مؤمنين جدد أمرا متوافقا عليه ومباراة تحت الأضواء الكاشفة، إلا أن الغزو الآن جريمة واجتراء على القانون الدولى والحدود الدولية، والزراعة عماد التنمية، والرِّق عمل إجرامى وتجارة فى البشر محرمة وممنوعة، وهذه المبارزة بين الأديان أضحت توجيهًا وتزيينًا وإغراءً يجعل الاختيار ملفقًا ومدلسًا.. هكذا ترتقى القيم وترتفع يومًا بعد يوم إلى الأعلى والأسمى.

والقيم الإنسانية والأخلاقية تسير مسار الحاجة والمنفعة، والشعوب بطبيعتها قد اتخذت منهج السلم واحترام القوانين الوضعية المتفق عليها سبيلا للحياة والرقى، وهى فى حالة بحث دائم عن مجموعة القيم المشتركة التى من شأنها ترسيخ هذا المنهج لخدمة البشرية وتعظيمها، ومن ثم فالانتخاب مستمر، والغربلة قائمة، والحذف والنسخ والإضافة متواصلة حتى تصطفى من العلاقات والأخلاقيات ما هو أفضل لعلاقات إنسانية مشتركة ورشيدة تسمح بالتبادل المعرفى والعلمى، وتنمى قيم التعاون الاقتصادى والاجتماعى والأمنى لرفاهية الشعوب ومواجهة التحديات والكوارث وقلة الموارد والغذاء وانتشار الأوبئة والحروب والجرائم والمصائب، هكذا لزم أن يكون مسار الكون والناس واختيارات الشعوب.

ويسرى هذا الأمر على العقوبات البدنية، وقد جرى تخفيفها تدريجيا حتى اختفت، سواء ما كان منها عقوبات مجتمعية أو دينية، مثلًا: عقوبة المرأة الزانية القتل غرقًا فى نهرى دجلة والفرات فى شريعة حامورابى، وعند الهندوس إلقاء الزانية للكلاب والضباع الجائعة، وفى اليهودية الرجم بالحجارة، وفى الإسلام الجلد مائة جلدة، وعند الفراعنة قطع العضو الذكرى للمغتصب.. وقد كانت العقوبات البدنية تعكس ثقافة الشعوب وقسوة الطبيعة ورقتها ونعيم الحياة وشظف العيش والقائمين على التشريع. وأقرت أكثرها الأديان على أنه سلوك اجتماعى وليس تشريعا أبديا، فقد كان قطع يد السارق وحد الحرابة معمولا بهما قبل الإسلام، وأبقى الإسلام عليهما عقوبتين مختارتين ومنتخبتين وأقرهما المجتمع، وقد راعى الرسول نفسه، صلى الله عليه وسلم، هذا التحديث والتخفيف حين قال: «تعافوا الحدود بينكم.. فما بلغنى منها نفذته» وفى آخر: «اِدرأوا الحدود بالشبهات».. أليس هذا محاذاة للنص وتخفيف العقوبة والإفلات منها؟.

ولم تكن الإغارة على الغير وسلب أموالهم وسبى نسائهم وأطفالهم وبيعهم فى سوق النخاسة واستخدام بعضهم- قلَّ أو كثُر- فى أعمال الزراعة والرعى والبغاء إلا لضرورة اقتصادية فرضتها الحاجة على بعض المناطق دون غيرها.. وحتى الضريبة المفروضة على الرؤوس كانت تفرضها إمبراطوريات الاحتلال على الشعوب المحتلة، ولم تكن الجِزية عملا إسلاميا صافيا، بل نقله المسلمون نقلا من هذه الإمبراطوريات إلى البلاد الموطوءة، وتم تأصيله شرعا.. كل هذا وغيره كان مقبولا ومفروضا فيما سبق، إلا أنه أصبح مرفوضا ومستهجنا ومخالفا للقانون الآن، وأصبحت الحروب عند الضرورة تفرض مساراتها قوانين دولية للحفاظ على البنية الأساسية، وكذلك الأسرى والعُزّل من المقاتلين والشعوب.

ولا نشك فى أن القيم الأخلاقية المجتمعية، وكذلك الدينية، وأيضا أحكامه، كلها ظواهر اجتماعية، أحداث معينة بذاتها، ووقائع تعامل معها الدين فعدّل فيها وصحح بعضها وأبقى على كثير.. وقد كان القبول والرضا أحد عوامل النجاح والتصويب.. وربما لو كان الدين نفس الدين قد ظهر فى زمن وأحداث اجتماعية وبلدان مختلفة لكان له شأن آخر، وما كان ما سمعناه وقرأناه.

إن التطور الاجتماعى يفرض على كافة المرافقين له التكيف والمواءمة والموافقة على المستجدات التاريخية، سواء كان المرافق له قيم مجتمعية أو دينية «معاملات أو أحكام أو عقوبات»، لتسير وتنسجم مع قيم الحداثة، فإذا ما رفض رجال الدين أو غيرهم هذا الانسجام والاتفاق، بحجة حماية الدين والمجتمع، فإن النتيجة الحتمية هى جمود الدين والمجتمع وإعاقة حركة التاريخ والالتفاف على أحكامه ونواهيه ومعارضة معاملاته والإبقاء على طقوسه وشعائره فقط لزمن ليس ببعيد.

لا يصح أن تقف العقول أمام أمواج الحداثة فى تحدٍ أو مبارزة، بل الحكمة تقتضى السير فى ركابها وبرفقتها، نتفاعل معها ونحاورها، وربما نرفض بعضها ونتحاشاه إذا تعارض هذا مع إرادة المجتمع.

«الدولة المدنية هى الحل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قيم الحداثة والمدنية تسعى وتسبق قيم الحداثة والمدنية تسعى وتسبق



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة

GMT 21:32 2021 السبت ,04 أيلول / سبتمبر

أفكار لتنسيق السروال الأبيض في موسم الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon