بقلم - عادل نعمان
أقر بأن هذا المقال ليس له علاقة بما صرح به الأستاذ الدكتور حسام موافى، والأستاذ الدكتور جمال شعبان، الذى كان لقلبى المهدود فرصة العلاج على يديه بعد عناء طويل، فربما الصدفة هى التى وسعت الجميع.
القرآن الكريم ليس كتابًا فى الطب أو الهندسة أو الرياضة أو الفلك أو الزراعة، بل كتاب عبادات وأحكام ومعاملات من عند الله، والرسول لم يكن طبيبًا أو مهندسًا بل كان نبيًا رسولًا، يحمل رسالة التوحيد من الله إلى الناس، ولم يكن ناصحًا أو موجهًا فى التداوى والعلاج إلا بما كان قد استقر عليه الناس وألفوه وتعلموه وتناقلوه عن أطباء زمانهم، وتجارب إنسانية متبادلة ومنقولة عبر الأزمنة والأماكن.
وما نصح وفد (عرينة وعوكل) فى عام الوفود بأن يخرجوا إلى الصحراء حين «استوخموا الأرض» أصابهم الكسل وانتفخت بطونهم، ليتريضوا فى الصحراء ويشربوا من بول الإبل وألبانها إلا وقد كان هذا النوع من العلاج متعارفًا عليه ومعمولًا به ومستقرًا عليه، وقائمًا بين أطباء زمانه وموثقًا ومختومًا، نقلها الرسول كما نقلها الناس من قبله ومن بعده وكذلك يفعلون، ونصح غيره كما نصحه الغير، وهو فى هذا ليس طبيبًا بل ناصحًا وناقلًا أمينًا.
ومن مجالس الدراويش والوضاعين عبر تاريخ طويل من الزيف بدأ فى عهد الأمويين، وزاد بلة فى العهد العباسى، حين انشغل الناس بتأليف الأحاديث والمرويات، ونقلوا عن الرسول من الأخبار ما وسعتهم مساحة التدليس وأتقنوها، فكانت الحجة «وداوها بالتى كانت هى الداء» فى وضع أحاديث فضل سور القرآن «حسبة وقربى لله» حتى يعود الناس إلى القرآن كما قالوا: «ليجذب بها قلوب الناس إلى الله تعالى بالترغيب والترهيب»، فقبل الناس هذا ثقة فيهم وركونا إليهم.
فقد رُوى أن «أبى عصمة نوح بن مريم» سُئل: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس فى فضائل القرآن سورة كذا وسورة كذا، وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟ (ولم نسمع هذا من أصحاب عكرمة) فقال: إنى رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبى حنيفة ومغازى ابن إسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة لله، وقد ذهب فريق من (الكرامية) إلى جواز وضع الحديث للترغيب والترهيب، حتى قال بعضهم: إن كان الرسول قد حذر وتوعد الذين يكذبون عليه، فإنما نحن نكذب (لرسول الله) وليس عليه، وبينهما فارق كبير.
وهكذا حمَّلوا آيات الله ما لا طاقة لها به، وما كان من مهامها، وفرضوا عليها واجبًا ليس منوطًا بها، وعبئًا ليس على كفالتها، وأملًا ورجاء ليس له ضمانة أو وكالة، وأبوابًا من الشفاء فتحوها عنوة فى جدار ليس له من سبيل أو مخرج، فزادوا وعادوا من فضل قراءة سور القرآن، إلى العلاج به من الأمراض، فكانت آيات العلاج النفسى (الأمراض النفسية) كما يزعمون «والزعم كما تقول العرب كنية الكذب» وتبدأ بسورة الفاتحة، وسور الناس والفلق والرحمن ثم آية الكرسى، والخمس آيات الأولى من سورة البقرة، وآخر آيتين من سورة البقرة.
وأضاف المشايخ إلى علاج الأمراض النفسية علاج (مرض التوحد) بإضافة آيات أخرى، آية: (ألم نشرح لك صدرك) «7 مرات»، وآية: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) «7 مرات»، ومجموعة من الآيات على المريض الالتزام بها وبأعدادها، وأضافوا للتخلص من الخوف والقلق آيات من سور البقرة والأنفال والتوبة، وآيات للسكينة والهدوء من سورة الفتح إلى جانب الالتزام بمجموعة من الأدعية.
ولم يقف الأمر عند علاج الأمراض النفسية والعصبية، بل تعداه إلى علاج كثير من الأمراض العضوية، وبالطبع لم يكن كل هذا الزخم وهذه الأمراض فى حديث عكرمة، بل زاده الفضل من أصحاب الفضل من الوضاعين والمنتفعين وتجار الدين فشملت الروشتة الكثير من الأمراض حتى وصلت إلى الأورام (السرطان)، وهى قراءة آية الكرسى والمعوذتين «الفلق والناس» وسورة الإخلاص، وتكرار كل واحدة منها ثلاث مرات، وقراءة أول خمس آيات من سورة البقرة، مع دعاء المريض «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق»، ثم الاستعاذة من الشيطان الرجيم بدعاء خاص لا يتسع له المجال.
وتخطى الأمر علاج الأمراض النفسية والعصبية والعضوية والمتوطنة وما يجدُّ من أمراض، إلى جلب الرزق وبركة المال والنجاة من الفقر، بآية «أو لم يروا ان الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر»، وآية «يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله»، وآيات أخرى كثيرة، بل زعموا أن فى القرآن سورًا وآيات مانعات (سورة الفاتحة تمنع غضب الله، سورة يس تمنع عطش يوم القيامة، سورة الواقعة تمنع الفقر، سورة المُلك تمنع عذاب القبر، سورة الكوثر تمنع الخصوم، سورة الكافرون تمنع الكفر عند الموت، سورة الإخلاص تمنع النفاق، سورة الفلق تمنع الحسد، سورة الناس تمنع الوسواس، سورة البقرة تمنع دخول الشيطان ثلاث ليالٍ، آية الكرسى تطرد الشيطان).
وآفة كل هذا هو البعد عن العلم، ووضع الدين فى معركة مع العلم والطب ليست متكافئة، بل التعجل فى الخصومة وفى حسم المعركة ليس فى صالحه، وكلاهما الدين والعلم من عند الله الواحد، كلٌّ منهما فى طريق، هذا إلى الله وذاك نفس المسير، فلماذا هذا الخلط بين أملاك الله الواحد البصير؟ أما كارثة الكوارث فهى عدم الأخذ بالأسباب، والعلاج والتداوى من المرض، والعمل والإخلاص فى جلب الرزق، والمذاكرة للنجاح والجد والإخلاص والسلام ليعيش الناس فى أمن وسكينة، ونسأل الناس سؤالًا واحدًا: هل تستطيعون الاعتماد على كل ما سبق فى كافة أمور حياتكم، وتنجون من الأمراض النفسية والعضوية والمتوطنة وكذلك من الفقر والحاجة؟ لا أعتقد. (الدولة المدنية هى الحل).