بقلم - عادل نعمان
وقالوا: نحن الأفضل والأكرم والأشرف لأننا مسلمون فقط، ونحن خير أمة أخرجت للناس، نأتى بالكافرين يوم القيامة مصفدين بالأغلال حتى يدخلوا الإسلام أو يساقوا إلى الجحيم، ونحن خير خلق الله وأحباؤه، وأوصلهم للأرحام وأقربهم مودة ورحمة، قلوبنا عامرة بالحب والسلام لخلق الله. ونحن دون خلق الله قاطبة نبرأ من كل الذنوب والخطايا والآثام ما أدينا الطقوس والشعائر ودعونا الله فاستجاب!!، حتى حقوق الغير تسقط وترفع مهما بلغت، ويحملها عنا اليهود والنصارى يوم الحساب والعرض، ونحن من كرم الله علينا مغفور لنا من كل إثم وكل ذنب وجريرة ونهب وجريمة وكذب وبهتان إذا ما ذهبنا إلى بيت الله الحرام فنعود مغفورًا لنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، بل ما من أحد منا إلا ودخل الجنة وإن سرق وإن زنى رغم أنف أبى ذر.. مهما أنكرها الغير وتعجب!!.
ونحن مميزون ومصنفون عند رب الكون، يغدق علينا من نعمائه دون حساب، ويجود علينا من إحسانه ما يصد سوانا عنه، ويفتح علينا من بركاته ما لا يفتحه للآخرين، ويتفضل علينا دون جهد أو عمل أو مشقة بخيره الوفير، فلو قرأ الواحد منا مثلا سورة الواقعة ليلًا قبل النوم لا تصيبه الفاقة أبدًا، ولو قرأ سورة الدخان تمنع عنه أهوال يوم القيامة، ولو قرأ سورة الملك تمنع عنه عذاب القبر، ولو قرأ سورة الفلق تمنع عنه الحسد، مدللون ومحصنون من كل داء، محميون من كل سوء، ممنوعون من الأذى، محظورن ومحصورن من الشرور والآثام، نحن وليس غيرنا أفضل خلقه وأقربنا إليه، ونحن يكفينا التسليم والإيمان مهما ارتكبنا من معاص، كما قالوا «لا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة» ما عليك يا أخى المسلم إلا الجلوس فى بيتك ليل نهار والقيام بهذه الطقوس والشعائر والمناسك والعبادات وسترى العجب العجاب!!.
وأمتنا أعظم الأمم، هكذا علمونا، عظيمة الشأن والبأس كما أنبأونا، طوت خيولها الأرض من شرقها إلى غربها فدان لها الشرق والغرب على أربع، وحيثما أمطرت سماؤها أتاهم جزيتها وخراجها، وأينما أينعت وطابت ثمارها وافاهم رزقها، هكذا كان نعيم الأوائل والصالحين والخلفاء من الأجداد، فما رأينا هذا النعيم.. وصدقناه، وما غابت الشمس وغربت.. إلا على زماننا، وما تفلتت الخيول وتراجعت وما ترجل الفرسان.. إلا على حظنا ونصيبنا، وزال الملك الذى لا يقهر وانزوى وانصرم العز وانقضى، وقضى الأمر، ومشايخنا لا يكفون عن ترديد أن عدم الالتزام بأوامر ونواهى ديننا الحنيف، وتخلينا عن شريعة الله، وعدم الالتزام بمنهج الخلفاء الراشدين سبب هذا البلاء، وجزاؤنا أن الله رفع يديه الكريمتين عنا، وعزلنا عن رحمته وإحسانه.
وليس الأمر كذلك، ولا تؤخذ الدنيا على هذا السفه وهذه البساطة، فلم يكن تاريخنا ورديا حتى تنهمر نعم الله علينا دون الغريب، فما قتل من المسلمين فى صراعهم على الملك وبأيديهم يزيد عشرات المرات عما قتل منهم بأيدى أعدائهم، وإذا كانت دولة الخلافة ودولة الشريعة والعدل هى النموذج الأمثل فإن خلفاءها لم ينج أحد منهم من القتل أو السم. وما كنا بهذا الجحود والمخاصمة حتى تزول نعم الله، فإذا كانت الإمبراطورية الإسلامية أعظم الإمبراطوريات فما كانت إلا محاكاة لإمبراطوريات زمانها، حين غربت شموسها وزال ملكها فتقدم المسلمون الأوائل واحتلوا مكانها، وغزوا وفرضوا على البلاد ما كان مفروضًا عليها، وملأوا الخزائن مما سلبوا واشترطوا وأجبروا الناس عليه، وزادت العطايا والمنح والرواتب والسبايا والغنائم، فعاشوا فى رغد كما عاش من كان قبلهم ولم تكن فى كل هذا دولة إسلامية بل إمبراطورية عربية، هذه الإمبراطوية قد زالت كما زال غيرها، فلا سندها دين حين غزت وبزغت ولا تخلى عنها حين انحدرت وزالت، فقد اخترقها من هم أشد هوانا على الله وعليهم من جحافل اليهود، ومن ضربت عليهم الذلة والمسكنة!! تقدموا واخترقوا، هذه سنة الحياة وقانون ثابت أزلى.
ولنخلص إلى أن الحياة لها قانونها الخاص، فليس الرزق بالدعاء بل بالعلم والعمل والجد، ولا توبة لعبد إلا برد المظالم إلى أهلها وليس بالشعائر والطقوس، ولا فضل ولا شرف إلا بالأمانة والإخلاص فى العمل والالتزام بما يفيد الناس فى السر والعلن، ولا تقدم وازدهار إلا بالأخذ بالأسباب، ولا يتحمل الدين وزر وأخطاء القائمين عليه والمنتسبين له حين يجترئون على الله ويؤصلون لخطاياهم وأطماعهم تأصيلًا شرعيًا كذبا وبهتانا على الله، وأن هزيمة المسلمين الحضارية ليست لبعدهم عن الدين بل الحرص على التدين المظهرى والعودة إلى كهوف الماضى دون التسليم بما تفرضه الحياة من مستجدات الحداثة والحضارة ليس غير..
«الدولة المدنية هى الحل