بقلم - عادل نعمان
لا تبتئس ولا تغضب يا صديقى وتُلقِ علينا اللوم والتُّهم جُزافًا كما تعوّدنا من مشايخك حين الرد دون بحث وتحرى ومعرفة المصادر فيما ننقل ونكتب، فما نقوله قولهم، وما نتحدث به حديثهم، وما ننقله من روايات وحكايات من صميم رواياتهم وحكايات كتبهم دون زيادة أو نقصان.. هكذا كان الرد على ما جاء فى مقالى الخميس الماضى على صفحات «المصرى اليوم» تحت عنوان (التبرعات والصدقات والتربح الرسمى والشرعى)، وقد كنت أحد أهم شهود العيان على فساد وسرقات أموال التبرعات والصدقات لتمويل الجهاد الأفغانى، سواء فى جمعها أو فى مصادر الإنفاق والصرف، وكنت أقرب العيون الراصدة لهم.. ثم لماذا هذا الإنكار والجمعيات والمؤسسات الخيرية تعج بالفساد والانحراف، وخلط أموال الصدقات والتبرعات بالحسابات الخاصة للقائمين عليها، وهى شاخصة شاهدة، ومنكرها كمن ينكر طلوع الشمس فى كبد السماء؟!.. ولقد تلقيت رسائل عدة بعد المقال من أصدقاء تركوا هذا العمل الخيرى من هول ما فيه والخوف من المصير والخاتمة.. أما عن حكايات الفساد على ألسنتهم فلا أتصور أن تحتملها سطور هذا المقال أو ضمائر الشرفاء.
وهذا هو عهدنا بالفساد الذى يحاصر أموال المسلمين وزكواتهم وصدقاتهم قديمًا منذ الفتوحات والغزوات، وشبهة الظلم فى جمعها وحتى تاريخنا تحت مظلة التبرعات والكفالات والغارمات وكفالة الأيتام والجمعيات الخيرية والدعوية.. وليس هذا بغريب علينا، وما خفى وتوارى ودُفن بفعل فاعل كان أسوأ وأمرّ، ولم يكن فى مصلحة الأمة الكشف عن مدى الفساد والسرقات أو إماطة اللثام عنها، وفضّلوا الكتمان والتستر عن المعالجة والمكاشفة مخافة أن تتعرض الدعوة إلى سهام النقد والاستنكار والاستهجان.. وخذ هذا المثال البسيط، المئات من هؤلاء المجاهدين فى أفغانستان من القاعدة وطالبان من الذين كانت مهمتهم جمع الأموال وصرفها قد سرقوا منها الملايين وفرّوا خارج حدود هذه الخلافات، وتكتم أهل الحل على كل هذه الفضائح، إلا أن واحدة منها قد خرجت من جراب الحاوى دون إرادتهم، فهذا المصرى «أبوعبيدة المصرى» فى دولة الخلافة داعش يسرق خمسين مليون دولار من «ديوان الزكاة والجزية»، الذى كان تحت إدارته وسلطته، وكانت هذه الأموال من نصيب الفقراء فى ولاية الخبر السورية، وقد هرب بأموال التنظيم قبله أحد قضاة التنظيم من الجنسية السعودية وبرفقته حزمة من الأموال التى كانت من حق الفقراء والمساكين.. واسألوا المؤسسات الحالية عن الأموال التى جمعوها لحساب مساعدة المجاهدين فى غزة أو سداد ديون مصر، وعلى رأسهم أحد الدعاة الأحياء، ولم يسأل هؤلاء أحدٌ، ولم يفتش عن أموال المسلمين مسؤولٌ.
ولا أتصور أن هذه الملفات سيقترب منها أحد، فهى ذرية بعضُها من بعض تتوارث هذا المال وكأنه حق مُصان، فهذا «ابن عباس» حين تبادل الرسائل بينه وبين الإمام على بن أبى طالب لا تشعر بالندم أو الذنب على ما اقترفت يداه فى أموال المسلمين، بل يصوغ من المبررات ما يرفع عنه الذنب والجرم، وتبدأ برسالة أبو الأسود الدؤلى إلى الخليفة على: (إن عامِلك وابن عمك قد أكل ما تحت يده بغير علمك) فكتب الخليفة إلى ابن عباس: (بلغنى أمرٌ إن كنتَ فعلته فقد أغضبت ربك، وخربت أمانتك، وعصيت إمامك، وخُنت المسلمين، بلغنى أنك قد جردت الأرض وأكلت ما تحت يدك، فارفع إلىَّ حسابك، واعلم أن حساب الله أشد)، ولم يدافع ابن عباس عن نفسه، ولم ينكر الاتهام وهدد الخليفة فى الرد: (لأحملن هذا المال إلى معاوية يقاتلك). وفى رسالة أخرى يرد على الخليفة: (والله لأن ألقى الله بأموال المسلمين خير من أن ألقى الله بدمائهم)، وهو اتهام صريح لعلىّ بقتل الكثير من المسلمين.
وهذا أبو هريرة حين تولى إمارة البحرين فى خلافة بن الخطاب، فلما قدِمَ المدينة بالمال وكان قليلا، غضب منه عمر وسأله عن ماله الذى استأثر به: (فمن أين هى لك؟)، قال أبوهريرة: (خيلٌ لى تناتجتْ، وغلة رقيق لى، وأَعطية تتابعت علىَّ!!).. وصادر الفاروق هذا المال، فما كان لهذا المال أن يتكاثر بين يديه لو لم يكن أميرا!!.
وحكاية عمرو بن العاص تستحق الذكر، لمّا تولى عمرو ولاية مصر فى صفقة مع معاوية بن أبى سفيان، أتفقا على أن يوقف مصر «ضيعة» بريعها وخراجها وجزيتها كاملة ميراثًا له ولأولاده من بعده) مقابل أن يساعده وأهله فى حربه مع على وينتصر له بالخلافة.. ولما مات صادر معاوية أموال بن العاص وقال: «ونحن نأخذه بما فيه من سحت وظلم».
الحكايات لا تنتهى، متشابهة، قديمها وحديثها، وحتى تخرج سرقة هذا المال من المساءلة والعقاب، فقد رُفع الحد عن سرقة المال العام لشُبهة الملكية والظلم فى جمعه، وخرج كل من سرقه وأفسده من سلطة الحد والعقوبة، ليس هذا فقط، بل يتوب الله عليهم لو تابوا وأنابوا، أو حجوا أو اعتمروا وعادوا كما ولدتهم أمهاتهم.
ولله فى حقوق العباد شأن آخر.. هكذا أخرج المشايخ سارق المال العام خارج القضبان، وفتحوا لهم فى جدران السجون أبوابًا ومخارج.. ولنا الله.