بقلم - عادل نعمان
للشيخ أحمد كريمة مواقف وآراء أكثر تجديدا وإصلاحا من المجددين والمصلحين، وأخرى تعود بنا إلى التراث المحبوس فتحسبه أكثر تشددا من المتشددين وتعصبا من المتعصبين، حتى يظن الواحد منهم أن الشيخ قد تجاوز فى حدته وشدته ما كانوا عليه من الحدة والشدة، فهذا شيخنا «كريمة المجدد المحدث» يعلن أن النصارى ليسوا كفارا، وأن الجنة ليست مقصورة على أصحاب شريعة محددة من الشرائع، وهى ملك الله تعالى يختص بها من يشاء من عباده، وزاد وفاض حين أعلن أن الجندى المصرى سواء كانت عقيدته مسيحية أو مسلمة طالما بذل روحه فى سبيل الأرض والعرض، حال استشهاده فهو فى سبيل الله، الذى وعدهم بدخول الجنة، ولم يحدد عقيدة دون غيرها.
ثم يخرج علينا بهذه التصريحات المتشددة الجديدة، فهذه الأولى: (إن الزواج المؤقت لا يجوز شرعا، وإذا أقيم عقد الزواج كان باطلا) والتصريح الثانى (أن استئذان الزوجة الأولى بالزواج الثانى لم يرد فى الشريعة الإسلامية، لكن يجب مراعاة حقوق الزوجة الأولى) والتصريح الثالث (يجب على الزوجة إعانة زوجها على الزواج بأخرى بدلا من ارتكاب الفاحشة وتعتبر هذا العمل قربى إلى الله)، وقد حدد فضيلته أقصى مدة لبعد الرجل عن زوجته بأربعة أشهر، يحق للرجل بعدها الزواج من أخرى.
ولنا أن نتساءل أولا: ما هو تعريف الشريعة وما هى روافدها ومصادرها؟ فما كان مقدسا وسنده القرآن هاته لنا نتناقش ونتحاور حول أبدية الحكم أو زمانيته، وما كان من عند البشر هاته نبطل منه ما يستحق الإبطال، ونرد على التصريحات السابقة، التصريح الأول عن (عدم شرعية الزواج المؤقت) ولا أتصور أن رفض هذا النوع من الزواج إلا مخالفة لزواج المتعة عند الشيعة وتحريمه «ليس هناك نص قطعى بتحريم هذا الزواج فى القرآن، وتحريمه بواسطة النبى محل خلاف، ونسب البعض هذا التحريم إلى الخليفة عمر وهذا ليس من حقه، وزواج المتعة غير مقطوع بحلاله أو بحرامه، وهو علاج نفسى معتبر عند كثير من المدارس النفسية، ولا فرق بينه وبين زواج المسيار الذى أباحه أهل السنة، وتعالى للكبيرة، أليس هذا هو الوجه الآخر لـ«الزواج بنية الطلاق» حين يتزوج المسلم وفى نيته الطلاق عند مدة معينة، دون إخبار الطرف الثانى بهذا، وضرب الفقهاء كل القيم عرض الحائط فى سبيل متعة الرجل مدة سفره أو ترحاله، الغريب فى الأمر أنهم اعتبروا أن الفارق كبير بين هذا النوع من الزواج وزواج المتعة، فى حين أرى أن زواج المتعة فى ميزان الشرف والأمانة أصدق وأنبل مرات ومرات.
وعن الملاحظة الثانية (عدم شرعية استئذان الزوجة الأولى)، فليس هناك ما يمنع ولى الأمر من تقنين هذا تنظيما للمجتمع، بل وأكثر فمن حقه تضييق الحلال، وأسألك سؤالا واحدا: لماذا رفضت السيدة فاطمة زواج على بن أبى طالب من الزوجة الثانية؟ ألم يكن هذا رفضا لطلبه وإعراضا عن استئذانه، فلماذا لا يكون هذا الموقف شريعة يهتدى بها المسلمون فى استئذان الزوجة الأولى؟ ناهيك عن رفض السيدة فاطمة والنبى هذا الطلب، فله مدلولات كثيرة، أرجوكم الانتباه لها. وهذا ما دفع مشايخ وأزاهرة لاعتبار الزواج من أخرى شرطا لوقوع الطلاق إذا رغبت الزوجة فى هذا «الرفض المقدم» (الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى، قد اشترط على نفسه فى وثيقة الزواج عدم الزواج من أخرى وإلا يقع الطلاق)، وقد كانت كافة عقود الزواج فى العهد العثمانى مشروطة إما بعدم الزواج من أخرى أو عدم نقل الزوجة من محل إقامتها، ويعتبر الإخلال بشرط من هذه الشروط طلاقا فى ذات الوقت.
وعن الملاحظة الأخيرة (إعانة الزوجة لزوجها على الزواج) وأشهد الله أن تعريفكم للنكاح هو سبب ما نعانيه، وخذ هذه التعريفات (النكاح عقد وضعه الشارع الحكيم يفيد ملك استمتاع الرجل بالمرأة) وعند الشافعية النكاح (عقد بين الزوجين مقتضاه حلّ الاستمتاع بينهما) وعند الحنابلة (عقد بين زوجين رجل وامرأة، لإباحة الوطء، والاستمتاع والانتفاع بمحل الوطء لا التمليك)، ولا يختلف فقهاء الأمس عن اليوم فى تعريفه الذى لا يخرج عن الدهس والركوب والمضاجعة، ولم نسمع قط عن الأسرة وتربية الأولاد وتعليمهم وتنشئتهم تتشئة صالحة علمية، حتى يكون المطلب الأول لطرفى الأسرة هو الحفاظ على الأسرة ونجاحها وليس إشباع الرغبات فقط، والذى بموجبه أعطى الحق للفقير المعدم فى الاستمتاع بالنساء وقتما شاء، مهما كانت الآثار المدمرة على الأسرة والمجتمع وتفشى الفقر والجريمة، ولو كان تعريف الفقهاء للنكاح هو تكوين الأسرة والحفاظ عليها لكان الترتيب مختلفا تماما.
يا دكتور نحن كما ندعو أن يكون الطلاق أمام القضاء بعد الفصل فى كافة الحقوق والواجبات، ندعو أيضا إلى نظر الزواج من أخرى أمام القضاء بعد إثبات وإقرار كافة حقوق الزوجة الأولى والأولاد، وإثبات قدرته المالية، وليس أن تكون مهمة الزوجة إعانته على دمار أسرته والمجتمع حال رغبته وعدم قدرته. (الدولة المدنية هى الحل).