توقيت القاهرة المحلي 18:32:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التبرعات والصدقات والتربح الرسمى والشرعى

  مصر اليوم -

التبرعات والصدقات والتربح الرسمى والشرعى

بقلم:عادل نعمان

حين وطأت قدماى أرض بيشاور أوائل تسعينيات القرن الماضى، مرورا إلى الأراضى الأفغانية، بهدف توزيع المعونات والعطايا على أسر شهداء الجهاد الأفغانى، رأيت بأم عينى تجار الجهاد الكاذب المزيف، صناعة مشايخ الوهابية، تجار العملة والسلاح والأطفال والغذاء والكساء.
فى دولة الخلافة الراشدة الحديثة، ومركز الكون الذى يدور حوله إيمان الموحدين، وعلى أطرافها ترفع الأعمال والأرواح إلى جنة الخلد والخالدين، وعلى طرقاتها تقف الحور العين من الخيرات الحسان تختار من شهداء المجاهدين رفقاء الأسرّة والمخادع من المساء حتى الصباح (هكذا زعم الصحاب المتكلفون).. لمست فيها بيدى صور التربح والتكسب الحرام من أموال المتبرعين المسلمين المضللين، وفى سبيل غير سبيل الله.. وحسبت بالورقة والقلم كيف تخرج المائة دولار لكساء أو غذاء طفل يتيم من الأطفال الأفغان، فلا يكاد يستره من الجسد الهزيل العارى إلا نصفه العلوى فقط، أما عن الغذاء فيكاد يكفيه ربع شبع دون الجوع، أما الغطاء الوثير والغذاء الوفير والقصور المنيفة المشيدة على أطراف بيشاور من حظ ونصيب سماسرة الجهاد ووسطاء الحروب من المشايخ المفسدين فى الأرض.

وفى صحبة أحد الأصدقاء الفلسطينيين، كانت الرحلة داخل الحدود الأفغانية شاقة وقاتلة.. ولأنى كنت مكلفا بتوصيل هذه التبرعات إلى أصحابها، فقد قررت أن أضعها بنفسى بين يدى المستحقين، ولم أكتف بالمناولة للوسطاء الذين قابلتهم. واكتشفت للوهلة الأولى أنهم سماسرة جهاد، يتاجرون ويتلاعبون ويسرقون نهارا، وفى الليل يجتمعون يصلون وينشدون ويسبحون، ودعوت الله أن يخرجنى من هذه القرية الظالم أهلها قبل أن يتم التخلص منى كما تخلصوا من غيرى من حمَلَة التبرعات والعطايا والصدقات بعد سرقة أموالهم.

واستجاب الله لدعائى وخرجت من أرض النفاق بعد نقاش حاد مع مشايخ الجهاد الأفغانى، وقد كان عن حجم التبرعات التى تذهب إلى جيوب السماسرة والوسطاء، وأطفالهم مرضى وجوعى دون تعليم أو رعاية.. وتساءلت: ما جدوى هذا الجهاد وهذا الخراب إن كان المصير مظلما، والبؤس أشد من بؤس المحتل، والظلم قد زاد وعم وفاض؟.. أليس من الحكمة الاعتراف بأن نصف العدل تحت راية المنافقين أجدى وأربح من الظلم الكامل تحت راية المؤمنين الموحدين؟!.. وقد كانت ليلة خروجى هذه حدًّا فاصلًا بين الحياة والموت، وهو مصير الكثير من حملة التبرعات المتسائلين والحيارى فى أرض الخلافة.

فى أمريكا، كتبت سلسلة مقالات عن «زيف الجهاد الأفغانى»، إلا أن المعلومة قد وصلتنى «رسميًا» أن ما يدور وتسمعه وتراه عن قصص الجهاد، وصعود أرواح الشهداء وسط الموسيقى الجنائزية الملائكية وزغاريد الحور العين والجنة التى تبدأ حدودها هناك حيث النعيم الأبدى والتى أُعدت لهؤلاء المجاهدين دون غيرهم.. كل هذا تأليف مشايخ الوهابية، أعدت إعدادا جيدا، وأخرجتها المخابرات الأمريكية بمساعدة دول عربية معروفة.. وأن هذه التبرعات والأموال التى يتم جمعها بواسطة المكاتب الإغاثية لكل النازحين بلا عمل وسماسرة الجهاد يتقاضون نسبة مسموحا بها، وهى عشرة بالمائة من هذه التبرعات، فقد انتشرت المكاتب من الشرق إلى الغرب، وعم الحجاب والنقاب واللحى أرجاء المعمورة، وانتشر الجلباب والسروال القصير لزوم جمع التبرعات، وانتشرت الخُطب الباكية الرنانة تدعو المسلمين للجهاد والتبرع ولو بشق تمرة.. ولم يكن الهدف إعلاء كلمة الله، بل إعلاء رصيد هؤلاء المتاجرين فى البنوك.

وقد كنت أعرف الحقيقة كاملة فى أوانها، وقلت يوما إن محاكمة هؤلاء المشايخ، الأموات منهم والأحياء، الذين ضللوا الأمة واجبة يوما ما، لكشف الحقيقة للشعوب المغلوبة على أمرها.. إلا أن الملف مازال مغلقا لم يُفتح بعد!!.

والعرض يا سادة مازال مستمرا بطعم آخر فى بلادى.. تبرعات دون حسيب جاد أو رقيب أمين، وشركات تجارية تأسست لإدارة الفائض من هذه الأموال، يديرها أصحاب هذه المؤسسات الخيرية وأولادهم بمئات الألوف من الرواتب والامتيازات والعمولات، وخلط متعمد بين أموال التبرعات والحسابات الشخصية، وملايين يتم تداولها بعيدا عن الحسابات الرسمية لهذه المؤسسات الخيرية.. وبحسبة بسيطة، لو حسبنا حجم التبرعات التى تتحصل عليها هذه المؤسسات وحجم الإنفاق المخصص له، ستجده قريب الشبه بما كان يصل لأبناء المجاهدين واليتامى الأفغان، نصف كساء ونصف جوع، وكله بالقانون وبالشرع، نسبة يسمح بها القانون والأخرى يسمح بها الشرع تحت اسم «والقائمين عليها».

انتبهوا أيها السادة أصحاب القرار، إن أموال التبرعات فى ذمتكم، حاسبوا هؤلاء قبل فوات الأوان، وافتحوا ملفات هذه المؤسسات الخيرية، ستجدون سراديب مفتوحة ما لها من قرار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التبرعات والصدقات والتربح الرسمى والشرعى التبرعات والصدقات والتربح الرسمى والشرعى



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon