بقلم - عادل نعمان
ولك رأى عن الشيخ؟ نعم! فقد كان لشهادته فى محاكمة قتلة الشهيد/ فرج فودة ما أثار الحيرة والتعجب، وضرب بكل الأعراف الإنسانية والقواعد القانونية عرض الحائط، وحول الدولة إلى قبيلة تمارس الفوضى والقصاص حسب الهوى والمزاج، تحت دعاوى أن الله يخاطب عباده «أيها الناس» فهم جميعًا مأمورون ومكلفون بأوامر الله وإقامة حدوده فرادى وجماعات «مطلق اللفظ»، ولذلك أعطى لآحاد الناس الحق فى إقامة الحد بنفسه إذا تقاعس الحاكم عن إقامته، ونسى فضيلته أن كل خطاب موجه إلى «الناس» هو تكليف وتوجيه إلى كلٍّ فيما يخصه ومؤهل له دون غيره، فحين يخاطب الله الناس فى رد الحقوق والمظالم يكون الخطاب إلى الناس جميعًا بالمعروف وبالتراضى، إلا إذا كان الرد يستدعى الإذعان والإطاعة فإن المكلف ليس آحاد الناس بل ولى الأمر أو الحاكم، وحين يخاطب الناس بالصلاة «وهى حق الله» يكون المخاطب الناس أجمعين ولا يستدعى هنا الأمر الامتثال بل الطاعة والطواعية، لأن حقوق الله هو كفيل بها، أقول لماذا الشيخ؟ لأنه من أهلهم ومن ديارهم، فتكون الشهادة هذه بشهادتين، وكما يقال «وشهد شاهد من أهلها»، فشهادته تختصر المسافة، وحجيته راسخة، وبرهانه شهادة موثقة.
وفى كتاب الشيخ (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث)، والذى اتهمه الكثير من أهل العمائم بـ«أن الشيخ قد خاصم السنة» حين طالب فيه «بتنقية السنة النبوية مما شابها» كما طالب غيره من مشايخ الأزهر قديمًا وحديثًا، ويكون الأصل فى قبول الحديث وإقراره هو الربط بين الأحاديث الشريفة ودلالات القرآن الكريم «رد الأحاديث إلى القرآن، نأخذ منها ما يتفق معه، وما يختلف معه لا نأخذ به»، وكما جاء به الشيخ «نحن هنا نذود المرويات الواهية، والأحاديث المعلولة، كما نذود عن القرآن نفسه التفاسير المنحرفة والأفهام المختلفة، إن ركامًا من الأحاديث الضعيفة قد ملأ آفاق الثقافة الإسلامية بالغيوم، وقد كنت أزجر بعض الناس عن رواية الحديث الصحيح حتى يكشفوا الوهم عن معناه، مثل هذا الحديث (والذى نفسى بيده لا يدخل الجنة أحد بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدنى الله برحمة منه وفضل»، ويستطرد الشيخ: «إن طوائف من الفاشلين والبطالين وقفت عند ظاهره المرفوض، وحسبوا أن الجنة تُدخل دون عمل، وتناسوا عامدين عشرات الآيات التى تجعل الجنة نتيجة عمل واجب (أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)».
وللغزالى رأى متقدم «والصحيح أن هناك أحاديث ترتبط بمناسباتها وظروفها الاجتماعية، ولا تُفهم إلا فى الجو الذى قيلت فيه وحسب الأولويات التى تحكم مواقف الناس واحتياجاتهم»، فهذا الحديث الذى رواه أنس قال: قال رسول الله: «النفقة كلها فى سبيل الله إلا البناء فلا خير فيه»، أخرجه الترمذى، وفى هذا الشأن هناك أحايث أخرى وروايات عن الصحابة الذين كانوا يشيدون بيوتًا وقبابًا وكان هذا يُغضب رسول الله، حتى أزال القباب أحد الصحابة، وفى هذا يرى الغزالى أن هذه الأحاديث لها ظروف خاصة استدعت هذا الرفض وهذا الغضب، فإن الأصل إباحة الطيبات، ولا يمنع أحد من تشييد القصور والبيوت على هواه واحتياجاته، فلم يكن فى هذا العهد حمامات أو دورات مياه فى البيوت، ولأن منطق الاستقرار غير منطق القلق والترقب الذى كان سائدًا، ولقد كانت المدينة تعانى من أعباء الدعوة والجهاد والحصار والدفاع، وكان معظم الصحابة يشتركون فى الغزوات والجهاد، وهذا الوضع قد اختفى، واستقرت الأمور ولم يعد هناك خوف وترقب، بل بناء وحضارة وتشييد وحياة طيبة ورغد من العيش.
ويعطينا الغزالى مثالًا آخر يمكن الاستدلال به «كان الرسول يسير مع صفية بنت حيى، فمر برجلين من المدينة، فقال لهما: على رسلكما- تمهلا- إنها صفية بنت حيى! قالا: سبحان الله يا رسول الله، قال: إن الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم، فخشيت أن يقذف فى قلوبكما شيئًا»، والظاهر أن الرسول يريد منع الوسوسة وسوء الظن، ولا صلة على الإطلاق لاحتلال الشيطان لجسم الإنسان، ولا يتجاوز هذا الوسوسة أو قل عنها حديث النفس بالسوء ليس أكثر، وليس كما يصورها مشايخنا الآن «ويذكر الشيخ عن واقعة القبض على رجل ظل يهوى على أحد المرضى بعصاه حتى أخمد أنفاسه، وكان الأحمق يظن أنه يضرب الشيطان ليخرجه، وكان يردد: «اخرج يا عدو الله، وانتهت المأساة بقتل المريض البائس». وأزيدك يا شيخ من الشعر مئات الأبيات عن مشايخ قد اتخذوا من هذا الحديث تجارة وبضاعة رائجة، ركبوا فيها رقاب العباد وامتطوا ظهورهم، ووزعوا الشياطين على البؤساء من الرجال والنساء، حتى سكنت الشياطين ديار المسلمين، لا تخرج منها حتى تستأذن، بل وتقاسمنا المسكن والمأكل والمشرب، بل وتشاركنا مضاجعة النساء.
«الدولة المدنية هى الحل»