بقلم - عادل نعمان
.. ولا يكف كل المنتسبين لفصائل الإسلام السياسى، المتطرفين منهم والمعتدلين، ومن الحضانة حتى جامعة الدواعش، ومن الإخوان والسلفيين حتى الجهاديين منهم، عن حشد وتعبئة وتجييش الشعب لإقامة الدولة الدينية فى كل هزة او إخفاقة تتعرض لها البلاد، ساعدهم هذا الكم من الإخفاقات العامة والخاصة على حد سواء، الإخفاقات العامة فى فشل الثورات التحررية، وسقوط كل نماذج الحداثة وما صاحبها من تزييف الواقع وتدليسه، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية طيلة سنوات طويلة وممتدة، فلا تحررنا ولا تحدثنا ولا تقدمنا ولكن تأخرنا، وأما على المستوى الخاص والمحدود والذى لا يتجاوز حدثا معينا بذاته فإن الأحداث التى تمر على الناس هنا وهناك، ويحتاج الناس فيها إلى إيضاح رسمى وبيان واف شامل، نتعامل معها باستخفاف واستصغار واستهانة وكتمان، فتكون الفرصة أمام انتشار دعاوى هذا التيار مواتية ويسيرة، وتجد صدى واسعا لدى الأوساط الشعبية بل وللأسف وقطاع عريض من النخب حال بحثهم عن الحقيقة الغائبة، فتتسلل هذه الدعاوى وتتسرب وتملأ الأجواء، ومن ثم فإنهم يعلنون عن نموذج الدولة الدينية الأنجح والأمثل فى انتشال الدولة من الإخفاقات والأزمات، وللحق فإن هذا الرسوب وهذا الانكسار ليس فى مقررات الدولة المدنية بل هو فشل القائمين على التنفيذ، وافتقاد الرؤية وتهميش دور العلم والدراسة والتخطيط.
وإياك أن تظن أن وحدة الهدف لا تجمع الخصوم والفرقاء، وتحشد المتناحرين سياسيا ومذهبيا، ويتوافق الأعداء الذين رفعوا السلاح وتقاتلوا فيما بينهم على مائدة واحدة يوم النحر، إذا ما ظهر هدف يجمعهم، أو فريسة سهلة المرمى والتسديد، أو غاية واحدة يفترقون بعدها كل فى طريق، فلكل فريق منهم وحدة المسير والاجتياز وعينه على الآخر حتى لحظة الانقضاض والقنص أو الفراق بانتهاء «الفعل الحركى المشترك» تحت عنوان «توحيد جهة العمل»، وأذكركم بأحداث يناير حين وقف قطاع عريض من شباب اليسار بجانب دعوات الإخوان المسلمين ورأينا بأم أعيننا تلاحم الأيديولوجيات المتناحرة فى ميدان التحرير، فهذا تيار يقف خلف المصلين يحرسه من جحافل الدولة وهم منكرون للفعل فى ذات الوقت، وذاك تيار يوزع الطعام والشراب على من كان يوما يتمنى أن يدس له السم فى العسل، هذا التناقض وإن بدا غريبا إلا أنه مقبول ومعقول، ولا لوم ولا عتاب لطرف من هؤلاء فإن «المصالح تتصالح» ووحدة الهدف والغاية تجمع الشتيتين، وكما يتآلف الأحباب تحت لوائها، فهى تحشد جحافل الأعداء تحت ذات اللواء، هذه سنة الحياة ومن تجاهلها فقد خسر خسرانا مبينا.
وأكاد أجزم أن الحرب الدائرة مازالت فى صالح هذا التيار، يتفوق فيها ويفرد عضلاته، ولسان حاله يقول «هذا ما كنا قد حذرنا منه، وسترد البضاعة يوما إلينا» وليس هذا عن تفوق أو سبق لكن الكبوة والعثرة فى المضمار قد أصابت الجواد لرعونة الفرسان، حين كبحوا الجواد باللجام فعزلوه عن المضمار ولم يطلقوا له العنان مخافة الخروج عن النص، فتعطل صاحبنا، وأكاد أجزم أن سيناريو الأحداث يتكرر وأن أعداء الأمس يتقاربون ويحومون حول المائدة، يعتمدون على ذاكرة الشعب الضعيفة، ووعيه المهلهل وغياب دور الدولة وإقصاء وتهميش دور المتخصصين والمثقفين، ولطالما حذرنا من ذلك، هؤلاء هم عتاد هذه الأمة وذخيرتها، للأسف يقفون بعد طابور بيكا وشاكوش وكسبرة، وقد كان من اللازم أن يكونوا فى مقدمة المضمار.
يظل السباق محتدما ومستعرا، وأغلب المتفرجين فى المدرجات يا صاحبى «حناجرهم معك لكن قلوبهم عليك»، تحسمها فى النهاية دعوات المظلومين والجوعى والمرضى والجهلاء والخوفى، إذا ما وجدوا من يراعى حاجتهم ويعطف عليهم، ويرفع عن كاهلهم الفساد والظلم ويفك أسرهم، ويشبعهم من الجوع، ويؤمنهم من الخوف، ويشفى مرضاهم من العلل وقلوبهم من الغل، ويعلمهم ويؤهلهم ويفتح لهم أبواب الرزق والحرية، عندها فقط يغادر المشجعون المدرجات ويتسابقون إلى الغريم المنقذ مهما كان اتجاهه وأيديولوجيته، كما تسابقت الرعية إلى يزيد بن معاوية من بنى أمية الفاسق وخذلوا الحسين التقى الورع، واسمع ما قاله عقيل بن أبى طالب حين ترك جيش أخيه الإمام على وانضم إلى جيش معاوية بن أبى سفيان محاربا فى صفوفه، لما سأله معاوية عن أخيه قال «أخى خير لى فى دينى، وأنت خير لى فى دنياى، وقد آثرت دنياى»، وكذلك يفعلون!!.. هذا هو حال الدنيا وقاعدة لا تتنازل عنها الشعوب، ولهذا يروى «ينصر الله الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة».. «الدولة المدنية هى الحل».