بقلم - عادل نعمان
.. وكنا تواعدنا فى المقال السابق على الحديث عن «حديث الغرانيق» وهو حديث له سند متصل لمن يوافق عليه، ومنقطع لمن يرفضه، والحديث كما جاء فى (الطبرى «تاريخ الرسل والملوك» والسيوطى «الدر المنثور» والشهرستانى «الملل والنحل» والبيهقى «الدلائل» وابن تيمية «الفتاوى») تقول الرواية: إن النبى فى أحد منتديات مكة قرأ سورة النجم «والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى»، ولما بلغ «أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى» ألقى الشيطان سهوًا على لسان النبى «تلك الغرانيق الأصنام العلى وإن شفاعتهن لترتجى».
عندئذ هلل المشركون وقالوا: «ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم» وسجد النبى ومن معه من المسلمين والمشركين، ولما وصل الأمر إلى المهاجرين فى الحبشة أشادوا وأثنوا على هذا التوافق والتصالح بين النبى والمشركين وعادوا إلى ديارهم فى مكة، فمرحبًا: فقد زال الخلاف والقطيعة والتأم الشمل بعد فرقة.. ولم يكن الأمر كذلك.
وهذا الحديث ينكره الكثير، ويجيزه أيضًا الكثير ومنهم ابن حجر العسقلانى يقول: إن كثرة طرقها «مصادرها» دليل على أن لها أصلًا، فضلًا عن نزول الآية الكريمة التى نسخت ما جاء على لسان النبى «وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته» وتمنى عند العرب أى قال عمومًا القصة على أى نحو ليست قدحًا فى مقام النبوة كما جاءعلى لسان من أجازها.
وسميت هذه «بالآيات الشيطانية» والتى ارتكز عليها سلمان رشدى فى كتابه، وهذا ما رآه الشيخ الغزالى عن شروط صحة المتن «ألا يكون شاذًّا أو به علة» والمروية كلها متناقضه مع القرآن «وما ينطق عن الهوى» فكيف يتدخل الشيطان ليتكلم على لسان النبى؟!! وما يجرنا هذا إلى سؤال أكبر وأخطر!! هل حدث هذا فى موقف آخر مثلا؟ وقد كان من الحكمة ألا تحمل كتب السيرة أو غيرها هذا الحديث تحت أى مسمى أو تبرير، فقد أساءت وأفسدت.
ويرى الشيخ الغزالى أن أئمة الفقه الإسلامى يقررون الأحكام وفق اجتهاد رحب يعتمد أولًا على القرآن، فإذا وجدوا فى ركام المرويات ما يتسق مع القرآن قبلوه، وإلا فالقرآن أولى بالاتباع، يقصد الشيخ تركه وعدم الأخذ به او إقراره، ويرى أن حديث الآحاد يفقد صحته بالشذوذ والعلة القادحة وإن صح سنده، فهذا أبو حنيفة النعمان يرفض حديثًا عن النبى «لا يُقتل مسلم بكافر»، أى «إذا قتل المسلم كافرًا عمدًا لا يُقتص منه بالقتل، حتى لو كان السند صحيحًا، لأنه يرى أن من قاتلنا من الكفار قاتلناه، فإن قتل فإلى حيث ألقت، أما من له ذمة وعهد وميثاق والتزام فقاتله يُقتل، مسلمًا أو غير ويُقتص منه، لأن الحديث يخالف نصًا قرآنيًا «النفس بالنفس» والآية «فاحكم بينهم بما انزل الله».
وأهل الحديث يجعلون دية المرأة نصف دية الرجل، وأبو حنيفة النعمان يرى عكس ذلك، وأن دية الرجل مساوية لدية المرأة، وأن الزعم أن دم المرأة أرخص، وحقها أهون زعم كاذب، ومخالف لظاهر النص، ويقرر «إن الرجل يُقتل فى المرأة كما تُقتل المرأة فى الرجل، فدمهما سواء».
أما عن موسى وفقء عين ملك الموت وهو حديث سنده صحيح ورواه أبو هريرة فليس المتن واقعيًا أو مقبولًا، والحديث كما جاء فى البخارى عن رسول الله «جاء ملك الموت إلى موسى وقال له (أجب ربك)، فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها، ورجع ملك الموت إلى الله تعالى وقال: إنك أرسلتنى إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عينى، فرد الله له عينه، وقال له: ارجع إلى عبدى وقل له: ألحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور، فما وارت يدك فى شعره فإنك تعيش بها سنة ثم تموت، فقال موسى: فالآن من قريب، رب أمتنى من الأرض المقدسة رمية بحجر» مسافة حجر. قال المفسرون دفاعًا عن موسى إن موسى لم يكن يعرف أنه ملك الموت، فلما جاءه بدليل من الله قبل الموت، والغريب أنهم يبحثون عن تبرير لموسى دون النظر إلى متن الحديث نفسه وقبوله على هذا النحو الشاذ، ويرى الغزالى «أن هذا الدفاع كله عن الحديث وعن موسى كله دفاع خفيف الوزن، وتافه لا يساغ، وفى متنه علة قادحة تنزل به عن مرتبة الصحة».
وأما عن نعى الموتى فقالوا: ما رواه الترمذى عن حذيفة قال «إذا مت فلا يؤذن علىّ أحد، إنى أخاف أن يكون نعيًا، وإنى سمعت رسول الله ينهى عن النعى».
وعن ابن مسعود قال: «إن رسول الله كان ينهى عن النعى، فقال: إياكم والنعى فإنه من عمل الجاهلية»، ويرى الغزالى أن النعى الذى يصاحبه الرياء وإحياء العصبية والنعرة القبلية مكروه، أما إذا كان للإخبار والإعلام فيستحيل كرهه، وأزيد الشىء من عندياتى أن الأمر سواء كان للتباهى أو التظاهر أو الإعلام فلا شبهة فى هذا، ولم يكن النهى عنه إلا بجاهليته على نحو مكروه، ربما كان له وصف لا نعرفه!! نلتقى الأسبوع القادم.
الدولة المدنية هى الحل.