بقلم: عادل نعمان
أبو بكر البغدادى الحسينى القرشى، أو إبراهيم البدرى، أو أبودعاء، أو الشيخ كما يناديه الأمريكان، يموت كما مات كل الطغاة فى تاريخنا، وتبعثه الشياطين مئات المرات كل يوم، الأرض الخصبة وَلّادة وعامرة، تنبت من الشر كل يوم بإذن مشايخها وتراثها، فلا نضبت ولا جدبت، ولا ارتاح عباد الرحمن الرحيم من غيهم وظلمهم، وكذلك يفعلون. ترامب الرئيس الأمريكى باعث الخير والشر، وحامى الحمى وسالبه وناهبه، يخرج علينا معلناً انتحار (شيخهم) إبراهيم البدرى وزوجتيه وأولاده الثلاثة، وبعض من معاونيه، بأحزمته الناسفة، مخافة الأسر من القوات الأمريكية، داخل أحد الأنفاق فى قرية باريشا (بريف إدلب الشمالى)، جثث القتلى فى خبر كان، كما خرج علينا سلفه بالأمس القريب، الرئيس الأمريكى السابق أوباما حامى الحمى ومغتصبه أيضاً، يعلن مقتل أسامة بن لادن على أيدى القوات الأمريكية بمساعدة أحد معاونيه، ويزف لنا بشرى التهام أسماك القرش فى المحيط فتاته وبقاياه، كل جثث الطغاة تائهة بين السماء والأرض بلا قبور، دون مزارات للدراويش وأصحاب الحاجات والعاقرات من النساء وسارقى النذور. ولما كنا منذ قرون بين اثنين لا ثالث لهما، ظالم وظالم، وباغ وباغ، وجائر وجائر، فإن المقتول أقل سوءاً من المولود والمبعوث، فيزيد بن معاوية على ظلمه أرحم من الحجاج بن يوسف الثقفى، والحجاج على غيه أقل سوءاً من أبى جعفر المنصور السفاح العباسى، وأسامة بن لادن أرأف من المُلا عمر، وعمر ليس بأسوأ البغدادى، نحن فى تاريخنا بين ظالم وأظلم، وسيئ وأسوأ، وماكر وأمكر، ولنا الله من هول هؤلاء وتاريخهم الأغبر.
اليوم وليس غداً يخرج من رحم الأمة طاغية جديد، تعلن عن مولده نار تنتشر وتجوب وتحرق ما بين المشرق والمغرب، تتلقفه أيديهم بالرعاية والتربية، يشب عن الطوق فى ساعات حتى يعتلى كرسى الريادة والقيادة، السيد ترامب يعلن الحصول على أوراق ومعلومات حول خطط البغدادى فى إحياء داعش من جديد وأسماء المرشحين للخلافة، لا يموت الخليفة يا سيد ترامب إلا إذا بويع من يخلفه ويقسم على الولاء والبراء، خليفته فى نفس السرداب، ارتدى العباءة والعمامة وانتظر مقدمكم الميمون، وجلس على الأريكة يسجل لحظة الانتحار الجماعى لسلفه، عبدالله قرداش (تركمانى عراقى) هو البغدادى الجديد، المسلول الجديد، والوليد الجديد والحجاج الجديد، والسفاح العباسى الجديد، وكل العثمانيين الجدد، لن يفوتك توليه وبيعته وربما تجلسون جميعاً فى الصفوف الأولى تباركون الولادة الجديدة، والقسم الجديد، فلم تقتله إلا للسيطرة على منابع النفط التى سيطر عليها، ولم تدخلوا ولن تخرجوا لحرية الشعوب بل لنهب خيرات الشعوب، العراق يا سيد ترامب يلعنون ديمقراطيتكم، ويحنون إلى وجع صدام، ويتوقون إلى سوطه وسيفه، فكان الظالم وليس الأظلم، والسيئ وليس الأسوأ، وكان الأول وليس الثانى، ديمقراطيتك ملعونة وتلعنها كل الشعوب إذا كانت على شاكلتها.
مقتل الطاغية البغدادى بداية جهاد وإرهاب فردى جديد، وهو أكثر شراسة وقسوة وإثخاناً، انشطار المريدين والمؤيدين وتكاثرهم هو بداية الانتقام العشوائى الفوضوى، ولنشرح الأمر ببساطة حتى ننتبه جيداً هنا فى مصر، داعش ليس تنظيماً هرمياً كتنظيم القاعدة، يبدأ من قمة الهرم، يتسلسل إلى قواعده التنظيمية حتى يصل إلى قاعدته الأساسية، منظم ومدون الأسماء والرتب والدرجات ومحدد المهام، بعكس تنظيم داعش، تنظيم عشوائى، يبدأ من القمة دون تسلسل أو تنظيم هرمى، كل من يؤمن بفكر التنظيم وبايعه أصبح داعشياً، يحمل سيفه ويباشر عمله منفرداً أو داخل جماعة منفردة (الذئاب المنفردة)، حدودها كما يريد، وعملها ومهامها كما يختار وينتقى ويقرر، يستطيع أن يقوم بأى عملية فى أى مكان تتصف بالعنف والقسوة ضد الأنظمة أو الدول أو الشرطة أو الناس وينسب هذا العمل إلى التنظيم، ومن ثم يتبناه التنظيم فوراً ويعلن عنه، عكس القاعدة، لا يستطيع أحد كوادره القيام بأى مهمة دون تكليف من إدارة التنظيم، يتلقى التكليف من المستوى الأعلى إلى المستوى الأقل، صعوبة داعش أنه تنظيم غير مسجل وغير مرصود، أعضاؤه أصحاب فكرة يؤمنون بها ويلتفون حولها، خطورة مقتل البغدادى أن كل أصحاب الفكرة يعتبرون أنفسهم البغدادى، أولويات العمل للتنظيم فى الفترة القادمة ستكون (محلية الصنع والتنفيذ) لإبقاء التنظيم قائماً وصلباً ومعلناً عن نفسه بديلاً عن الأجندة العالمية، ليس رغبة القيادة، بل رغبة القواعد والأفراد والذئاب المنفردة المنتشرة والمريضة بفكرة الخلافة والملتفة حولها، مزيد من العنف الفردى العشوائى قادم، ومزيد من الذئاب المنفردة قادمة، والانتقام الأعمى الأرعن آتٍ، ربما تجده فى الشارع غداً أو على باب سينما بعد غدٍ، وربما لو عجز تركها على باب مستشفى، على هواه وعلى مزاجه وعلى قناعته. ربما يكون مقتل رئيس التنظيم مهماً فى كل التنظيمات الإرهابية الأخرى، إلا تنظيم داعش، فالذيل فيه أخطر من الرأس، ابدأوا من الذيل فى الحرب على داعش، فليس البغدادى المقتول هو الأخطر، بل هو خطر فقط، أما الأخطر فهم الدواعش الذين يعيشون بيننا..
حمى الله مصر وشعبها وجيشها.