بقلم - عادل نعمان
وليس لنا سوى احترام كل الهتافات التى يهتف بها المتظاهرون فى كل الميادين، يطالبون بلادهم بإعلان الحرب على العدو الصهيونى على ما ارتكبت يداه، وأنا واحد من الذين يبكيهم بحرقة مشهد طفل فلسطينى يهرول به أب مكلوم تتلقفه الأيادى فربما ينجح طبيب فى أن يعيد أنفاسه المقطوعة أو يودعه الوداع الأخير ويواريه الثرى بيديه، فكيف بأم أو أب يطوى صراخه بين ضلوعه ويكتم أنفاسه وهو ينظر إلى وجهه النظرة الأخيرة؟ أى نار تأكل مشاعر أم تجرى وتلهث حين أخبروها أن طفلها الجميل ذو الشعر المجعد قد مات وتولول حتى تراه لحظة أخيرة فى عمرها، ولا أحتمل هذه الصفوف المتراصة مجهولة الاسم فى أكفانها تسيل منها الدماء ليصلى عليها الحضور صلاة الجنازة وترص فى مقبرة جماعية جنبًا إلى جنب تستدفئ وتستأنس بعضها بعضًا فى غربة أبدية، أى قدرة وطاقة على احتمال هذا الهدم والانهيار والدك لبيوت ومشافى أمة وشعب يعيش نصف حياة ويموت كل يوم؟.
ولنا فيها أيها المتظاهر ألف ناقة ولنا فيها ألف جمل، وإياك أن تتهم شعوبًا بالتكاسل أو أنظمة بالتوانى، فليست الحروب تسير رحاها على هذا النحو، وليس من الحكمة أن نجر دولة إلى حرب دون دراسة تداعياتها وتبعاتها وعواقبها، فلسنا وحدنا فى هذا العالم، عالم تحكمه مصالح واتفاقيات ومعاهدات وتوازنات دولية، وتفرض المصالح غالبًا أن تحمى دول كبرى دولًا وكيانات وتنظيمات أخرى مهما كلفها الأمر، بل اعتبارها ولاية من الولايات، من يحارب إسرائيل يحارب أمريكا، وهذا أمر يجعل دراسة العواقب أمرًا جوهريًّا يتعدى نداء وصراخ المتظاهرين أو سكان غزة ذاتها.
وتعالوا نتدارس معًا الموقف بهدوء، المحاولات مستمرة لجمع الصف الفلسطينى منذ عام 2007 حين قصمت حماس الصف الفلسطينى إلى حماس فى غزة وفتح فى الضفة الغربية، وتم طرد عناصر فتح من غزة، وارتكبت حماس جرائم قتل وتعذيب لفصائل فتح حتى أجلتها تمامًا، ورفضت كل الوساطات فى توحيد القرار الفلسطينى، وليس هذا الانقسام فى مصلحة القضية الفلسطينية، خصوصًا أن جماعة حماس وفصائلها القتالية متهمة بأنها جماعة إرهابية، الأدهى أن جماعة عز الدين القسام الجناح العسكرى لحماس فى تلك الخطوة الجريئة نعم والمتهورة أيضًا، كانت دون تنسيق أو مشورة أو إعلام أحد الأطراف التى كانت ومازالت جزءًا من المشكلة والحل، وهى فتح ودول الجوار، وهى دول لها أيضًا حساباتها الخاصة وتقديراتها التى تستحق الدراسة، ولها خصوصية فى التعامل مع الموقف وتداعياته، فهى ليست خناقة أو عركة بل حربًا ربما تطول لأيام أو شهور.
ولن تلبى إيران نداء الحرب، هى وكل فصائلها فى المنطقة، حتى وإن كانت الداعم الرئيسى لحماس!! إيران فى دعمها لحماس هو فى الأساس اختراق للحزب السنى، وتطويقه بحليف سنى إخوانى «حماس» تدعمه وتخترق حصونه وتسيطر عليه لكنها لن تحارب لنصرته، حتى لو وضع المسلمون السنة إيران رأس حربة، أو قدموا المذهب الشيعى على المذهب السنى ويرتقى عليه، كل هذا الصراخ وهذا الدبيب وهذا الزحف هو زحف للخلف ودبيب فى محله وصراخ يعادل «التطبير» وهو لطم الصدور دون ألم أو لمس، ولا يخلو الأمر من رشقة هنا ورشقة هناك ذرًّا للرماد فى العيون، وحماس تعلم هذا جيدًا، وتعرف حدود المساندة الإيرانية المحدودة والمحكومة دون تردد «بالصراع السنى الشيعى الأبدى»، وتستفيد على قدر ما تستطيع، وتتجنب فى هذا الصراع المذهبى.
ولن تضرب أمريكا أو إسرائيل إيران ضربة موجعة، اللهم مناوشة هنا أو هناك. ببساطة إيران تقدم للطرفين خدمات موثقة وغالية منها استمرار وجود حماس وتفعيل الانقسام والقرار الفلسطينى، وتشتييت النضال وتجزئته وتضليله.
أما عن المضحك المبكى فهو رسالة داعش من العراق إلى «طواغيت» فتح وحماس «كما جاء فى البيان» تؤكد فيها داعش أن حماس ليست فى حسابات التنظيم فلا دعم ولا مساندة، وتهدد بإسقاطهما، وتعال إلى الأهم فهم يطالبون حماس بالإفراج عن مقاتلى التنظيم الذين اعتقلتهم فى غزة، ويتوعدونها بالقضاء عليها على يد عناصر داعش التى تتمدد فى القطاع يومًا بعد يوم لعدم تطبيقها الشريعة الإسلامية!! ولا ينسى التنظيم فى نهاية البيان أن يهدد الكيان الصهيونى باقتلاعه من جذوره بعد القضاء على فتح وحماس وكل العلمانيين!! والصبر طيب!!
وأخيرًا ستشهد غزة عودة داعش على أنقاض وأشلاء المناضلين الأبرياء، اللهم عونك على كل هؤلاء المجاهدين فى كل الاتجاهات عدا تحرير فلسطين. من هنا يجب أن نستوعب المعطيات جيدًا، أين نحن؟
«الدولة المدنية هى الحل.