بقلم - يوسف القعيد
كان نص الخبر متقشفاً مختصراً:
- محافظة القاهرة تغير اسم شارع سليم الأول، وتؤكد: قتل آلاف المصريين.
ثم خرج علينا أحد أساتذة التاريخ الحديث ليعلن أنه هو الذي سعي لتغيير اسم الشارع لأن الرجل كان جلاداً، ثم إنه يمثل هجمة عثمانية قديمة علي مصر.
دُهشت من الخبر. وتوقفت أمامه طويلاً بسبب طريقة التجزئة في التعامل مع قضايانا. فليس اسم شارع سليم الأول بالزيتون هو المشكلة الوحيدة. عندما كنت أذهب إلي هذه المنطقة لأحضر وأشارك في الفعاليات التي كانت تقام في ورشة الزيتون الإبداعية الكائنة بمقر حزب التجمع بالزيتون. والتي كان يتولاها الشاعر شعبان يوسف. وكانت الورشة منارة ثقافية فكرية لعبت دوراً مهماً في ثقافتنا المصرية والعربية.. وقتها كنت أستغرب أن شارع سليم الأول يوازيه شارع طومان باي. والمعروف تاريخياً أن الأول قتل الثاني. ومثَّل بجثته. وفعل به ما لم يفعله إنسان بإنسان، فطومان باي قاوم الاحتلال العثماني لمصر 1517، وحاول استنهاض همم المصريين ضده، ولكنه - مثلما يحدث للكثيرين - مُني بالهزيمة ومُثِّل به أشنع تمثيل.
لست ضد إعادة النظر في مسلمات حياتنا، وأسماء الشوارع والميادين العامة ليست مقدسة، ويمكن أن نطرح عليها تساؤلاتنا ومتغيرات حياتنا، وما يقوم به الإنسان قابل للتغيير إذا رغب، لكن خطورة الإجراء الذي اتُخِذَ ونُسِبَ لمحافظة القاهرة وهو اسم معنوي. ولم ينسب للمحافظ المهندس عاطف عبد الحميد، وقد تولي المحافظة 7 سبتمبر 2016 وهو اسم معنوي. وإلغاء اسم الشارع خطوة ناقصة تُشكل مبتدأ جملة لم نصل إلي خبرها. ألغي اسم سليم الأول، ولكن الشارع لا بد أن يكون له اسم آخر، وقبل أن أحذف الاسم القديم لا بد أن أكون قد توصلت للاسم الجديد.
المفروض أن في كل محافظة لجنة علمية متخصصة لتسميات الشوارع تشمل المؤرخين وعلماء الحضارة ومن يهتمون بالمدن قديمها وحديثها. قرارات اللجنة تعتمد من المحافظ، لكن لا أعتقد أنه من سلطة المحافظ إلغاء اسم أو استحداث اسم إلا بعد العودة للجنة، هذا إن كنا نريد أن نرسي دولة المؤسسات.
لا أدافع عن الغازي والمحتل العثماني، وإن كنت لا أحب أن يكون تغيير اسم الشارع رداً علي الهوس الهستيري الذي يقوم به المهووس حاكم اسطنبول. فهناك ردود كثيرة لم نقترب منها ولم نجربها ولم نستخدمها. لا بد أن تكون لدينا معايير عامة معلنة شفافة لأي قرار يمكن اتخاذه، خصوصاً إذا اقترب من الحياة اليومية للناس، أما سياسة الفعل ورد الفعل فلا تليق بمصر
عن الاخبار القاهري