توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لينين الرملى «يموتنا» من الضحك!

  مصر اليوم -

لينين الرملى «يموتنا» من الضحك

بقلم - نبيـــل عمــــر

 يجبرنا الكاتب المبدع لينين الرملى على هذا النوع من الضحك فى مسرحياته، مع فارق بسيط، هو لا يريد أن نموت من الضحك، هو يدفعنا إلى التفكير ونحن نضحك على أحوالنا، لنسأل أنفسنا ساخرين منها: هل يعقل أن نكون هكذا؟

لأن الضحك عند لينين الرملى لا يخاطب غرائزنا السطحية بنكات وشقلباظات و أفيهات جنسية حارقة وتناقضات فى مواقف هزلية، وإنما هو ضحك عميق يهز عقولنا هزا محاولا أن يطرد منها أتربة عالقة من أفكار صدئة أو مفاهيم قديمة أو مواقف غبية. وفعلا ضحكنا حتى الثمالة فى مسرحيته الأخيرة «اضحك لما تموت» ضحكنا على العجز الضارب فى جزء منا، وضحكنا من الأمل الذى يداعبنا ونحاول الإمساك به.

ولينين مشغول بالمستقبل، لأنه كاتب متمرد على الحاضر الذى يراه مشوها ومنكسرا ، حاضر معوج تسبب فيه عدم فهمنا لتاريخنا، والتاريخ ليس مجرد أوراق صفراء وأضابير وحكايات قديمة، وإنما هو مقدمات ونهايات، تجارب ومعان، أسباب ونتائج، وإذا لم تستغرقنا الحكايات ونتوه فيها، قد نفهم الأسباب وندرك مغزاها، لتوصيف الحاضر التوصيف الصحيح لمشكلاتنا وأزماتنا، ودون ذلك لن نمضى قدما إلى الأمام، فكيف نسير فى طريق لا ندرك معالمه ومساراته؟ وفى «اضحك لما تموت» يلتقط لينين الرملى لحظة فارقة من حياة الوطن، لحظة الثورة على الأوضاع القديمة، فى 25 يناير، لا ينشغل بالفكرة الخبيثة المرهقة للعقول والتى لا طائل من البحث فيها: هل هى مؤامرة أم ثورة؟، لأنه مشغول بالأهم: هل نحن فى حاجة لتغيير حياتنا أم لا؟

ويختار لينين مكانا خاصا تدور فيه الأحداث، شقة مطلة على ميدان التحرير، ميدان يموج بالثورة والشباب والحلم والهتافات والانفعالات والشعارات والمطالب، بينما الشقة تكاد تتوقف فيها الحياة أو تموت عجزا وفشلا بسكانها الذين يبدون خارج الأحداث الصاخبة، صديقان فى أرذل العمر غارقان فى ذواتهما، يأكلهما الفشل الخاص والإحباط الخاص ويتلذذ هذا الاحباط بامتصاص أيامهما قطرة قطرة، إذ يعيش كل منهما وحيدا ضائعا متشرنقا حول نفسه، بل إن فشل وعجز كل منهما تجاوزه إلى أسرته الصغيرة، فتشتت وتمردت عليهما هروبا داخل الوطن أو هروبا خارج الوطن..فالدكتور يحيى يهجره ابنه إلى ميدان التحرير ويقاطعه، وطاهر تهجره ابنته إلى أوروبا متنقلة من بلد إلى بلد ولا تحدثه إلا ثواني، ربما من باب الشفقة وربما لقتل الملل فى لحظة فراغ.

نعم يحيى وطاهر هم الشخصيتان الرئيسيتان فى الرواية، يحيى صاحب الشقة، دكتوراه فى التاريخ، مأزوم حتى النخاع، ربما من الكذب الذى كتبه، ربما من المأساة التى تعرض لها ابوه الذى عزل فى مذبحة القضاة، ربما لوفاة زوجته، وبالقطع لكل هذه الأسباب معا. وهو مريض بــ «كبشة» من الأمراض الخطيرة التى لن تسمح له بالحياة أكثر من شهرين.

وطاهر محبط من البداية، لأنه تخلى عن حلمه بأن يكون فنانا تشكيليا مرموقا، وألقى بنفسه فى فلوس الإعلانات، ليرضى زوجته الثانية، أو هكذا أقنع نفسه، ليبرر فشله، فهو لم يدافع عن حلمه حتى مع زوجته الأولى المكسورة التى كانت طوع بنانه، فلعب بذيله وسقط فى براثن الثانية التى أكلته لحما ورمته عظما، فقرر الانتحار. باختصار نحن أمام شخص على وشك الموت مرضا وشخص على وشك الموت انتحارا، مستسلمين تماما لواقعهما البائس.

فى المقابل نحن أمام شخصين آخرين فى عز شبابهما، يتمردان على واقعهما، فتاة مكسورة الجناح بالشقة تعيش مع يحيى مثل ابنته التقاها من الشارع، وشاب من الثائرين فى الميدان جاءت به الفتاة لتخبئه من أيدى المطاردين الشبيحة.

الحاضر فى مواجهة المستقبل، فإذا كان حاضر البطلين بائسا عاجزا، فالمستقبل يتمرد ويفر من الشقة إلى الميدان. نص درامى جاد يتحول مع كاتب مبدع إلى نص كوميدى له جذور فى مسرح العبث، وفيه بعض ظلال من مسرح صمويل بيكيت، فالحوار لا يمضى منطقيا فى مشاهد كثيرة، وينحرف إلى مسارات عبثية قبل أن يعود مجددا إلى مساره الأصلي، وعبثه من صلب موضوعه وليس خارجا عليه. وهو نص صعب، كان يمكن أن يتسرب إليه الملل بسهولة، فعدد شخوصه محدود للغاية، ثلاث شخصيات رئيسية، وثلاث شخصيات مساعدة، والمكان ثابت والديكور محدود لساعتين وربع الساعة، فكيف يمكن كسر الرتابة فيه؟

هنا يأتى دور المخرج عصام السيد الذى استوعب النص جيدا، وتمكن من تحريك ممثليه داخل خشبة المسرح كلها كما لو أنه يغير ويبدل فى مشاهده، معتمدا على حوار بديع صنعه المؤلف، حوار قصير خاطف، لا توجد فيه جمل طويلة، ولا نصف طويلة، كلها جمل تلغرافية تتسم بالذكاء والسرعة أجبرت المشاهد على المتابعة، منتظرا نتيجة هذا القصف المتبادل بين يحيى وطاهر، القصف الكاشف للنفوس والمآزق التى تحاصرها.

واستخدم عصام أسلوب السينما فى الخيالات التى تطارد البطلين فى خلفية المشاهد، حافظ به على الايقاع والإثارة وانتباه المشاهد. ولعب نبيل الحلفاوى دور الدكتور يحيى الهارب من حياته بخفة ظل فائقة، وأداء هامس يناسب الشخصية العابثة الواقفة على حافة الموت، وهو دور يكشف عن إمكانات ممثل كوميدى حقيقي، وبالرغم من وجود بعض مواقف كان يمكن أن يتحول فيه إلى أداء زاعق حين يواجه ذكرياته التعيسة، لكن حافظ على عدم السقوط فى الأداء الصاخب.

وكان محمود الجندى متألقا فى دور طاهر المهزوم أمام النساء، الفاشل فى حلمه الفنى وحلمه العاطفى وحلمه العائلي، الذى اقنع نفسه بأنه ينوى الانتحار هروبا من الفشل، بينما هو يتمسك بالحياة ويتحايل على عملية الانتحار، وهى قماشة أتاحت له حرية حركة وأظهرت قدراته على تفجير الضحك بين الجمهور. ويتوقف المشاهد عند أداء إيمان إمام، ويراها نجمة قادمة بقوة وثبات، أضافت حيوية وبريقا إلى خشبة المسرح فى دور شربات، فتاة الشارع، ومعها زكريا معروف، وهو مشروع كوميديان جيد فى دور الطبيب. أما سلوى عثمان فهى كعادتها تؤدى ببراعة وخفة دم.

كم أسعدتنا أضواء المسرح القومى وهى تتضوى وتتلألأ وتبدد العتمة من قلب القاهرة.


نقلا عن الاهرام القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لينين الرملى «يموتنا» من الضحك لينين الرملى «يموتنا» من الضحك



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon