بقلم - محمد علي فرحات
في عهد دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، تستقبل غزة رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمدالله بانفجار كاد يودي بحياته، فكأن القيمين عليها يطلبون منه البقاء في رام الله، وأن لا تمتد حدود سلطته إلى القطاع الذي تحكمه «حماس»، وأن المصالحة مجرد بروباغندا لإرضاء الشعب الفلسطيني والمتعاطفين معه في المنطقة والعالم.
ويطلق القضاء الممثل اللبناني زياد عيتاني المعتقل بتهمة التعامل مع إسرائيل، مستنداً إلى كونه ضحية أشخاص اخترقوا حسابه الإلكتروني وأدخلوا إليه عناصر الاتهام باتصالات مع العدو، وفي هذه المأساة/ المهزلة تسخيف لأي اتهام بالخيانة وإن كان صحيحاً، فقد اهتزّت الثقة بالمؤسسات صاحبة الصلاحية بالاتهام، ما يمهّد طريق إسرائيل إلى اللبنانيين ضعفاء النفوس أكثر من أي وقت مضى.
ومثلما في غزة وبيروت هناك أحداث في غير بلد عربي تهبط بالقضايا الوطنية إلى مستويات متدنية، وتدفع الناس إلى التنصل من القيم الأخلاقية والوطنية لكونها من شيم أناس غير عمليين يعيشون في الخيال.
لا علاقة مباشرة للرئيس الأميركي وأجهزة دولته بمثل هذه الأحداث، لكنها تعبير يومي عن التعفّن السياسي والاجتماعي في معظم العالم العربي، على رغم كونه مطمعاً للقوى الإقليمية والدولية. تكتفي الدول الكبرى بهندسة أطماعها في بلادنا وتهمل الرعاية، وفي ذلك تراجع عن قيم الاستعمار الذي كان يهتم بهيكلية الدولة الخاضعة له فيحميها من الفوضى والفساد، ليتقاسم مع الأعيان سلطة دولتهم وخيراتها.
الولايات المتحدة وروسيا تحضران في المشرق العربي عبر قواعد عسكرية في مناطق سورية وعراقية حساسة وقد جعلتا البلدين مرتهنين بنهاية حروب أهلية تتحكم بها واشنطن وموسكو على رغم بطولات محلية لا تتقن سوى القتل والانتحار. هذا الحضور للدولتين العظميين في منطقتنا لا ينفي هامشيتها بالنسبة إليهما، لكون الصراع الحقيقي في أمكنة أخرى، أبرزها أوروبا والشرق الأقصى، حيث تنازع النفوذ الاقتصادي والجيوبوليتيكي لرسم خريطة أقطاب العالم بعد مرحلة انتقالية أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، وهنا لا تحضر حتى إسرائيل التي تعتبر نفسها ذراع الغرب في بلادنا.
في السباق على موقع القطب العالمي هيأت الصين نفسها بانتخاب شي جينبينغ رئيساً مدى الحياة يتيح لنظامها استقراراً سياسياً في المرحلة الصعبة، وفي السياق نفسه انتخابات الرئاسة الروسية التي تجدد رئاسة فلاديمير بوتين المحددة الزمن وغير الأبدية. أما أوروبا فتخوض صراعاً غير معلن مع الولايات المتحدة التي تريدها تابعاً لا قطباً حليفاً، لاعبة على التناقضات بين ألمانيا وفرنسا وإسبانيا من جهة وسائر أوروبا الغربية مع بقايا الاتحاد السوفياتي الأكثر التصاقاً بأميركا والتي تعتبر جبهات حرب مع روسيا قابلة للاشتعال. ويحتاج قادة أوروبا إلى «مترجم» للتفاهم مع رئيس أميركي شعبوي يمسك بالعصا من الوسط فيطرح نفسه داعية عزلة بشعاره «أميركا أولاً»، ومقاتلاً عالمياً للدفاع عن قيم الغرب بعدائه للصين والتباس علاقته بروسيا بين إشادة برئيسها أثناء الحملة الانتخابية للدخول إلى البيت الأبيض، وفرض عقوبات متلاحقة على موسكو بعد تسلمه الرئاسة.
وليست الولايات المتحدة أفضل حالاً من أوروبا، فالإدارة الحاكمة لم تستقر. وأحدث الاهتزازات إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون وتعيين مايك بومبيو بديلاً يناسب مزاج رئيس لا يزال يفاجئ العالم.
الولايات المتحدة، على رغم شعارات ترامب الانعزالية، هي الأكثر انتشاراً عسكرياً، لكن رئيسها يعبث بتقاليد التجارة والاقتصاد والسياسة من دون برنامج واضح متفق عليه مع الحلفاء. يريد ترامب أميركا وحيدة في مواجهة العالم، فيما يتسبب بمشكلات مع القريبين قبل البعيدين.
هذا السلوك المتعثّر سيدفع موسكو إلى الاقتراب أكثر من بكين وربما الالتحاق بها إذا أكمل ترامب فترة رئاسته، وفي هذه الحال ستكون ثنائية الصين- روسيا قطباً غالباً ضد ثنائية أميركا – أوروبا التي تزداد ارتباكاً.
نقلا عن الحياه اللندنيه