بقلم : د. محمود خليل
2.5 تريليون جنيه (2500 مليار) اقترضتها مصر خلال السنوات السبع الأخيرة. هذا ما أعلنه الدكتور محمد معيط وزير المالية، وأضاف أن الحكومة ستعلن خلال أيام عن بدء تنفيذ استراتيجية لخفض الدين العام من خلال السيطرة على عجز الموازنة وخلق موارد حقيقية لتغطية المصروفات، وقال خلال مؤتمر جمعية الضرائب المصرية إننا الآن ندفع فاتورة هذه الديون، حيث بلغ حجم المخصصات الموجهة لسداد أعباء الديون نحو 817 مليار جنيه من أصل 989 مليار جنيه إيرادات متوقعة. ويعنى ذلك أن المتبقى للشعب من الموازنة العامة يبلغ 172 مليار جنيه!.
حتى الآن لا يعرف أحد ما هى ملامح الاستراتيجية التى ستعتمد عليها الحكومة فى التعامل مع هذه المشكلة. وأغلب الظن أن ملف الضرائب سيشكل مساحة اهتمام أساسية من المساحات التى يتوقع أن تعتمد عليها لخلق موارد لتغطية المصروفات. وحقيقة الأمر فإن السيطرة على هذا الملف ليست بالأمر السهل. وتجربة تطبيق الضريبة العقارية خير دليل على ذلك. فالحكومة لم تنجح حتى الآن فى تحصيل مبالغ ترضيها منها بسبب عدم وجود قاعدة بيانات خاصة بالثروة العقارية فى مصر، ناهيك عن طريقة التحصيل البدائية، والتقديرات الجزافية التى عرقلت التطبيق بصورة محسوسة خلال الأيام الماضية.
ليست هذه هى المرة الأولى التى يذكر فيها الدكتور «معيط» هذا الكلام، فقد سبق أن كرره أكثر من مرة. فهو ما يفتأ يحدثنا عن هذه الأرقام المزعجة التى تقول إننا نواجه مشكلة حقيقية. الناس جميعاً تستوعب حقيقة الأزمة التى نعيشها، والكلام الذى نريد أن نسمعه الآن يتعلق بالحلول، وخصوصاً الحلول البعيدة عن جيب المواطن الذى لم يعد فيه «سحتوت» يمكن أن يعطيه. أظن أن العدل يستوجب أن تتوجه بوصلة الحكومة خلال الأيام القادمة إلى الاقتصاد الموازى، وتحاول أن تُخضعه للمظلة الضرائبية، وأن تبتعد عن المواطن العادى البسيط الذى أرهقته الإجراءات الاقتصادية التى بدأت الحكومة فى تطبيقها منذ عدة أعوام. على الحكومة أيضاً أن تحدد لنا الكيفية التى ستعظم من خلالها موارد الدولة، خصوصاً على مستوى السياحة، وتنشيط حركة تدفق الاستثمارات إلى مصر. والأهم من ذلك ضرورة التوقف عن الاقتراض من الخارج، خصوصاً أن ديوننا الخارجية تجاوزت الـ82 مليار دولار طبقاً لتقديرات البنك المركزى أواخر مايو الماضى.
نحن أمام مشكلة لا تقل خطورة عن الأزمة التى واجهناها أواخر الثمانينات. بل قُل إن الأزمة الحالية أخطر بكثير. ففى نهاية الثمانينات كان الدين العام الخارجى عصب مشكلة المديونية لمصر، حيث بلغ فى ذلك الحين نحو 52 مليار دولار، وقد شاءت الظروف أن تخرج مصر من هذه الأزمة بأزمة أخرى، هى أزمة الخليج الثانية (غزو الكويت)، حين شاركت مصر فى قوات التحالف الذى توجه إلى الكويت لتحريرها من الغزو العراقى. وعقب هذه المشاركة اتجهت مؤسسات التمويل الدولية إلى عقد اتفاق لتسوية الديون الخارجية وإسقاط نسبة 50% منها. لقد بدا الأمر وقتها أقرب إلى المعجزة التى أنشأتها الظروف. وأخشى أن نكون بحاجة إلى معجزة أكبر فى ظل تعاظم المديونية الداخلية والخارجية وتجاوزها حدود المنطق والمعقول.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع