بقلم: د. محمود خليل
تقارير إعلامية تتحدث عن عودة «داعش» إلى العمل من جديد فى العراق. تحوُّل نوعى مهم طرأ على أداء التنظيم إذ بدأ يعود إلى أسلوب «القاعدة»، فتخلى عن فكرة العمل على «الأرض المفتوحة» (إشباعاً لوهم إنشاء دولة خلافة) وعاد إلى الأسلوب التقليدى الذى دأبت الجماعات الإرهابية -وأبرزها تنظيم القاعدة- على استخدامه، أسلوب «الاختفاء ثم الضرب». آوى مَن تبقى من أعضاء التنظيم إلى شعاب الجبال، وانتشرت عناصرهم المؤمنة بأفكارهم فى أنحاء شتى من الدولة، وليس من المستبعد أن تنفذ عمليات إرهابية بأسلوب «الذئاب المنفردة».
الفكرة القاتلة التى يستند إليها تنظيم «داعش» لم تمت رغم الضربات القوية التى وجِّهت إلى التنظيم فى كل من سوريا والعراق، وآخرها مقتل أبوبكر البغدادى الذى نصب نفسه خليفة!. وثمة أسباب عدة لذلك، يأتى على رأسها أن هناك من يريد لهذا التنظيم أن يوجد وأن يواصل العمل. ثمة دول داخل الإقليم وخارجه ترى فى «داعش» -وغيره من التنظيمات الإرهابية- أداة لخوض صراعات بالوكالة عنها، تجد ذلك حاضراً فى النموذج السورى، وأيضاً فى العراق، لكن الأمر فى الدولة الأخيرة يتمدد من الإقليم إلى دول من خارجه. الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال هيّأت بعد غزو العراق عام 2003 المناخ المواتى لاحتضان التنظيمات الإرهابية. يشهد على ذلك تجربة أبومصعب الزرقاوى الذى لقى حتفه عام 2006. وقد أعربت كونداليزا رايس، الوزير الأسبق للخارجية الأمريكية، عن فرط إعجابها بالمهارات العسكرية التى تمتع بها «الزرقاوى» الزعيم السابق لتنظيم القاعدة فى العراق!. إذن الفكرة القاتلة التى يحملها تنظيم داعش تجد من يرعاها.
واستمرار الفكرة يتطلب وجود مؤمنين بها. وليس فى مقدور أحد أن يغفل الظروف الحالية التى يمر بها العراق، والتى أدت إلى خروج الناس ضد حالة التردى المعيشى والاقتصادى الذى يعيشون فى ظلاله. وقوبل هذا الخروج برد فعل عنيف من جانب أولى الأمر هناك، وسقط ما يزيد على 450 قتيلاً وآلاف الجرحى. وفى حين يصر العراقيون على التغيير يُصمم من يجدون صالحهم فى استمرار الأوضاع الحالية على العناد. ثنائية «الإصرار الشعبى/ العناد الرسمى» تخلق أجواء مواتية للفوضى، حيث تجد التنظيمات الإرهابية مثل داعش نفسها فتسارع إلى استغلالها. ولا نستطيع أيضاً أن نغفل أن اليأس أحياناً ما يسوق مَن يسيطر عليهم نوع من الغضب المرضى إلى تبرير العنف، ومن بين ثنايا الهشاشة النفسية التى يعانى منها هؤلاء يتسرب «داعش» بأفكاره. ولا يستوعب هؤلاء أن العنف لم يشكل عبر تجارب التاريخ البشرى حلاً، سواء ارتدى ثوب الدين أو ثوب السياسة أو ثوب الاقتصاد أو ثوب الاجتماع.
مسئولية بث الحياة فى الأفكار القاتلة التى يتبناها تنظيم داعش تقع على العديد من الأطراف. فمردها أطراف راعية من داخل الإقليم وخارجه، وكما تقع المسئولية فيها على من ينقادون للفكر التدميرى تقع أيضاً على المسئولين العراقيين الذين يتسببون بسياساتهم وحرصهم على مصالحهم المغموسة فى الفساد فى تهيئة الأجواء لانتشار هذه الأفكار.