توقيت القاهرة المحلي 10:38:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«شيء» لزوم «اللاشيء»

  مصر اليوم -

«شيء» لزوم «اللاشيء»

بقلم - محمود خليل

تحول نوعي حدث في مفارخ إنتاج النخب خلال عقد السبعينات، حين دخلت المدارس الخاصة والأجنبية على خط التعليم "الحكومي" في مصر، وانفجرت المسألة أكثر خلال العقود التالية، مع التوسع في التعليم الأجنبي في مصر، وانقسام المدارس إلى عربي ولغات، والأمر نفسه انطبق فيما بعد على الجامعات.

وخلال عقد الثمانينات، بدأت رحلة صعود العائدين من البعثات إلى الغرب، وتلقفتهم وقتها السلطة، وبدأت في دمجهم داخل النخب السياسية والاقتصادية.

في ذلك الوقت، تحديداً خلال حقبتي الثمانينات والتسعينات، ظلت بقايا النخبة من متعلمي الستينات والسبعينات على الساحة، وكانوا أكثر قدرة ومهارة، ولم تكن تركيبتهم ملخبطة بالصورة التي رأيناها فيما بعد، أو نراها الآن، لأنهم تعلموا عربي كويس في مدارس الحكومة، وأجنبي "كويس" من خلال البعثات، أو مؤسسات التعليم الأخرى التي كانت موجودة في مصر وكانت تتقن عملها، لكن أموراً كثيرة بدأت تختلف مع جريان الزمن، حين بدأ أفراد نخبة العقد الأول من الألفينات في الظهور على المسرح.

كانت هذه النخبة مزيجاً من أولاد الناس، ضمت رجال أعمال، وأساتذة جامعات، وساسة، ونجوم مجتمع، تمثّل القاسم المشترك الأكبر فيما بينهم في النظر إلى المجتمع كشركة، كل شىء فيها مباح للاستثمار، بما في ذلك التعليم والإعلام والسياسة والاقتصاد، وغير ذلك. ومع نمو أدوار تكنولوجيا الواقع الافتراضي في حياة الناس وطغيانها على ما عداها من أدوات، أصبحت ألعاب التشويش، والمراوغة، والضحك على الناس، وبيع الأوهام للمجموع، هي السائدة في كافة المجالات.

بإمكانك أن تسترجع مشاهد رجال السياسة والأعمال والإعلام والتعليم وهم يجلسون -خلال العقد الأول من القرن الجديد- أمام شاشات الحاسب أو التاتبلت، يتحدثون عن هذا الأمر أو ذاك، وتذكر حالة التداخل التي سيطرت على لغتهم ما بين الفصحى والعامية والعربي والأجنبي، وحالة التشوش والخلط التي غلبت على خطابهم، ما بين الحرية والاستبداد، والسياسة والمال، ومشروعات الدولة ومشروعات الأفراد، والجيل القديم والجيل الجديد، وخلاف ذلك.

لم تعد النخبة الجديدة أيضاً كثيرة الاحتكاك بالواقع الذي تعيش فيه، بل باتت تعيش في كومباوندات معزولة عن البشر العاديين، وباتت تتعامل مع الواقع الذي عزلت نفسها عنه بدرجة واضحة من التنظير والتعالي، فتناثرت الأحاديث العامة والتوصيفات الساذجة للواقع على ألسنتهم، مثل الحديث عن حجم "الديشات" المنتشرة في القرى والنجوع، والمحمول الذي بات في كل يد، والتكييفات الموجودة في العشوائيات، وطوابير السوبر ماركتات، وغير ذلك.

لم ينشغل أحد من أفراد هذه النخبة بالبحث في التفاصيل، والتوصيف الدقيق لما يحدث في الواقع، لأنهم تعلموا أخذ الأمور من الظاهر أو من فوق السطح، كما أن أخذها بهذا القدر من التشوش كان يستر فساد بعضهم وإفسادهم للواقع. فمن كان يتاجر ويغذي النوازع الاستهلاكية ويشتري الأصوات الانتخابية ويدلك الناس بمفاهيم ساذجة للدين -وخلاف ذلك- غيرهم؟

مع أواخر العقد الأول من الألفية الجديدة، وبالتحديد في عام 2010، كانت النخبة والمجموع قد وصلا إلى أعلى حالات التشوش، بحيث بات عندنا الشىء واللاشىء، فأصبحنا نملك لغة بلا معنى، ومدارس بلا تعليم حقيقي، ومدارس عربي لا تعلم شيئاً بالعربية، ومدارس لغات ودولية تكتفي في الأغلب بتعليم لغة أجنبية، لكنها لا تقدم تعليماً حقيقياً، وأحياناً لا تقدم لغة ولا تعليماً.

في مجال التعليم وفي غيره أشياء عديدة كانت تكبر وتنمو في واقعنا، لكن بلا تنمية حقيقية، بدءاً من عدد السكان، ومروراً بالعمران، اونتهاءاً بزحف الأجنبي على المحلي.. وليس من عافية أن يكبر الورم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«شيء» لزوم «اللاشيء» «شيء» لزوم «اللاشيء»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon