بقلم : د. محمود خليل
عنوان المقال هو عنوان لأحد الكتب المثيرة التى أبدعتها قريحة الراحل الكريم الدكتور إبراهيم عبده. ولمن لا يعرفه يعد «إبراهيم عبده» واحداً من ألمع أساتذة الصحافة فى مصر قبل ثورة يوليو 1952 وبعدها. وربما كان جيلنا فى كلية الإعلام آخر جيل استمع إليه، وكان قد بلغ من الكبر عتياً، بعد قرار تعيينه أستاذاً متفرغاً بالكلية عام 1982. الكتاب يبين من عنوانه فهو يعالج حالة الضياع التى تعيشها الأمم التى يسودها النفاق، والمآلات الكارثية التى تنتهى إليها.
تتوجه أغلب أفكار الكتاب إلى فترة السبعينات، التى احترف فيها العديد من الساسة والإعلاميين نفاق الرئيس السادات، وكيف أنه كان يطرب لذلك، رغم علمه بأن من يصفِّقون ويطبِّلون ويرقصون من حوله، أوجعتهم أيديهم من التصفيق وشبعوا طبلاً ورقصاً أيام سلفه الرئيس جمال عبدالناصر. لم ينسَ الكاتب وهو يقدم للطبعة الثالثة من كتابه (صدرت عام 1983) أن يوجه رسالة إلى حسنى مبارك الذى كان قد ترأس الجمهورية عقب اغتيال الرئيس السادات فى حادث المنصة الشهير (أكتوبر 1981)، نصحه فيها بأن يكون رئيساً لكل المصريين، وألا يتحزَّب ولا يستجيب لمن يدعوه إلى التحزُّب أو رئاسة حزب، وأن يعلم أن الديمقراطية هى أكبر ضمانة للاستقرار، وأنسب بيئة للتنمية، وحذره من النفاق والمنافقين، حرصاً على أُمته وحرصاً على نظام حكمه.
نصيحة إبراهيم عبده صالحة أيضاً لهذا الزمان. لعلك تتفق معى بأن أهل المغنى فى الإعلام أوجعوا دماغنا، وأصبح الجمهور فى عرض «دقيقة سكوت لله». إعلاميون متلوّنون، يجيدون تغيير جلدهم وتغيير بوصلتهم مع كل نظام جديد. يفتقرون إلى أدنى درجات الاستقامة، ولا يتورعون عن التناقض مع أنفسهم عشرات المرات فى الدقيقة الواحدة، ولك أن تتخيل كم من المرات يتناقضون فيها مع أنفسهم عبر تجربتهم فى العمل. مَن كانوا يصفقون له بالأمس يلعنونه اليوم. هذه الفصيلة من الإعلاميين التى سوّتهم تجربتهم من «نفاق» يضرون أكثر مما ينفعون. وأمثال هؤلاء ينطبق عليهم ما قِيل للحسين من بعض مَن حذروه من أهل العراق: «إن هؤلاء قوم قلوبهم معك وسيوفهم عليك»!.
أما مشاهد النفاق لدى بعض المسئولين داخل عدد من مؤسساتنا فتستطيع أن تجدها فى هذا المسئول أو ذاك الذى يستغرق بلسانه فى الحديث عن الوطن والوطنية والعطاء والعمل، فى حين تجد بعضهم حول المؤسسات التى يقودها إلى تكية أو عزبة شخصية يديرها كما شاء، إنه يرى أن ذلك من حقه وتلك مكافآته.. ألم يؤدّ تحية العلم ويصلب نفسه وسط المجموع حتى يأخذ «اللقطة»؟!. ألم يرتدِ ملابس شبابية رياضية وجمع عدداً من الشباب ودخل معهم فى سباق أو لعب معهم «ماتش كورة»؟!. يكفيه جداً هذا ليبروز نفسه كقيادة رشيدة فى موقعه، ثم إنه فوق ذلك يسمع ويطيع لمن يظن أنه يملك له نفعاً وضراً، ويشنّف أذنه بمواويل المديح. لقد بلغ أمثال هذا المسئول من «علم اللوع» مبلغه.. ذلك العلم الذى قال عنه صلاح جاهين: «علم اللوع أضخم كتاب فى الأرض.. بس اللى يغلط فيه يجيبه الأرض.. أما الصراحة فأمرها ساهل.. لكن لا تجلب مال ولا تصون عرض». عجبى!.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع