توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«أدهم».. الشرقاوى والسليمانى

  مصر اليوم -

«أدهم» الشرقاوى والسليمانى

بقلم: د. محمود خليل

رغم أن الأجيال التى تعاقبت بعد محمد على أصبحت أكثر تناغماً مع فكرة «النظام» وأكثر التزاماً ممن سبقها بالترتيبات التى سنَّتها الدولة لتنظيم الحياة، إلا أن شخصية «أدهم» القابعة داخل قطاعات من المصريين دفعتهم فى أحوال إلى تمجيد بعض التجارب الفوضوية ويحتفون بالحكايات التى تتناول سيرة أشخاص تحدوا النظام. دعونا نتأمل فى هذا السياق نموذجين أبهرا أدهم المصرى، أحدهما ظهر خلال منتصف العقد الثانى من القرن العشرين (أدهم الشرقاوى)، والثانى أواخر العقد الخامس من القرن ذاته (محمود سليمان).

بطل القصة الأولى اسمه «أدهم» وهو بالمناسبة نفس اسم بطل حكاية نجيب محفوظ الأولى فى «أولاد حارتنا»!. على أية حال أدهم الشرقاوى هو ابن عبدالحليم الشرقاوى من أعيان إيتاى البارود، حصل على الشهادة الابتدائية وسلك دروب التعليم الثانوى، لكنه توقف عن الدراسة بسبب مشكلات حدثت بينه وبين عمه عبدالمجيد بك الشرقاوى، وقد اتهمه الأخير بالشروع فى قتله ومحاولة سرقته مرتين، فحكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة 7 سنوات، وحدث أن التقى داخل محبسه بأحد أتباع عمه ممن شهدوا عليه زوراً فقتله، ليحاكم من جديد ويطول به المقام فى السجن. خدمت الظروف أدهم بعد ذلك حين قامت ثورة 1919 واختل النظام العام بالبلاد فهرب مع غيره من السجن وأخذ يطارد عمه وابن عمه وترأس عصابة من الأشقياء أثارت الفزع فى شمال الدلتا لعدة شهور. وانتهى الأمر بمقتله على يد شاويش بالبوليس المصرى. فى كتاب «رجال ريّا وسكينة» حكى المبدع الراحل «صلاح عيسى» قصة «أدهم» الذى تغنَّت به المواويل وحكت حكايته الأفلام السينمائية، وبلغت به أعلى درجات التمجيد، رغم أنه لم يزِد -كما يذكر «عيسى»- عن كونه ابن ذوات غرَّته قوته، وأفسده تدليل أسرته، وأبطره ثراؤها، وقاده إلى الجريمة.

بطل القصة الثانية هو محمود أمين سليمان -أو السفاح كما كان يطلق عليه وقتها- وهو لص احترف سرقة بيوت وفيلات الأغنياء، حتى أُشيع وقتها أنه سرق فيلا أم كلثوم، وتم القبض عليه بعد وشاية من شقيق زوجته، وانتهى به الأمر إلى السجن. أحب الرجل زوجته حباً كبيراً وانقلبت أحواله داخل السجن عندما علم أن علاقة مشبوهة تربط بينها وبين المحامى الذى يدافع عنه، فقرر الهروب وفعلها، حاول قتل الخائنة وعشيقها لكنه لم يفلح، لكن قتل أكثر من شخص فى محاولة سعيه للانتقام من أعدائه. تمتع محمود سليمان بقدرات عجيبة على الهروب من البوليس والإفلات من مطارديه، وتشكلت حول حكايته مجموعة من الأساطير الشعبية كان أبرزها أنه يأخذ المال من الأغنياء ليعطيه للفقراء!. ومع زيادة اهتمام الجرائد بتتبع أخباره، وسرد حكاياته، ارتفع معدل الاهتمام بشخصيته، وأخذت المخيلة الشعبية تنشط فى الدفاع عنه وتبرير تحديه للنظام، بل وتمجيد فوضويته. أمام هذا الوضع الذى اهتزت فيه صورة الدولة لم يكن هناك بُد من أن تتحرك السلطات بقوة لتقضى عليه وهو ما كان. عالج الراحل نجيب محفوظ سيرة «محمود أمين سليمان» بطريقته الخاصة فى رواية «اللص والكلاب»، وقد تحولت بعد ذلك إلى فيلم سينمائى.

الانفعال الشعبى بهذين النموذجين يؤشران إلى أن الثقافة المصرية لم تنجُ من فكرة «تمجيد النماذج الفوضوية». ومثل هذه النماذج تظل شاهداً على أن بناء الدولة الحديثة فى مصر لم يكن ضمن أولويات التغيير العميق للثقافة المصرية، ربما يكون قد مسها على مستوى السطح، لكنه لم يتغلغل إلى أعماقها بحيث تتوازى جهود تنمية المكان مع الارتقاء بفكر الإنسان وثقافته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أدهم» الشرقاوى والسليمانى «أدهم» الشرقاوى والسليمانى



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"

GMT 09:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار في الديكور للحصول على غرفة معيشة مميزة في 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon