بقلم: د. محمود خليل
فى مؤتمر صحفى عُقد يوم الاثنين الماضى سألت إحدى الصحفيات الرئيس اللبنانى ميشال عون: إلى أين نحن ذاهبون؟. فردَّ عليها: طبعاً إلى جهنم.
الدولة اللبنانية عاجزة عن الوصول إلى حكومة ترضى الأطراف المتصارعة هناك. الشيعة المبرمجون فى حركتى أمل وحزب الله يصرون على حقائب وزارية بعينها، خصوصاً وزارة المال! والأطراف الأخرى للمعادلة السياسية فى لبنان ترفض.
الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً لا ترحم. فهى مُصرة على كسر حركتى حزب الله وأمل، من خلال فرض عقوبات اقتصادية، أدت ضمن مجموعة من العوامل الأخرى إلى إحداث شلل فى الجهاز المصرفى اللبنانى، فبات عاجزاً عن دفع ودائع المواطنين.
موجات هجرة اللبنانيين عبر البحر إلى دول أوروبا تزيد فى عددها كل يوم. فقد ارتفعت معدلات الفقر والعجز والبطالة داخل لبنان بصورة غير مسبوقة، فتضاعف عدد من يعانون من الفقر المدقع 3 مرات، وتضاعفت نسبة الفقراء لتصل إلى 55% عام 2020 بعد أن كانت 28% عام 2019.
لا أحد يرحم اللبنانيين، بل الكل يعمّق جراحات هذا الشعب. فكل طائفة فى هذا القطر تريد الاستئثار بكل شىء لنفسها، ومع تضارب المصالح يأتى العجز عن حل مشكلات الشعب. الولايات المتحدة لا يهمها أن يموت اللبنانيون من الجوع أو فى الانفجارات أو فى البحر. فالمهم خدمة إسرائيل. الدول العربية التى تملك المساعدة لا تجرؤ على دفع دولار واحد إلا بعد الحصول على الرضاء الأمريكى.
هكذا تُغلَق الدائرة بإحكام على اللبنانيين، ليبدأ المواطن المطحون هناك فى الوقوف على أبواب السفارات طلباً للهجرة، فإذا عجز توجه إلى البحر وامتطى أحد «قوارب الموت» بحثاً عن طريق نجاة. عندما سئلت إحدى السيدات عن تعليقها على وفاة نجلها فى رحلة هجرة غير شرعية منذ بضعة أيام قالت: «من يمتطون قوارب الهجرة قد يموتون، لكن من يبقى فى لبنان موته مؤكد!».. إنه الجحيم بعينه.
إنها النتيجة الطبيعية التى تترتب على أمرين: أولهما استسلام الحكام لنزواتهم، وإنفاق مال البلاد والعباد عليها. تماماً مثلما فعل حزب الله فأهدر مال اللبنانيين فى مغامراته التى يقوم بها فى المنطقة، إرضاء لنزوات زعيمه الذى لا يفكر إلا فيما يريد أن يفعله دون أى حساب لتأثير نزواته على الشعب.
ثانى الأمرين تأخُّر الشعوب فى التحرك والإمساك على يد الحاكم الذى يحرمهم من المال، لينفقه على نزواته. الشعب اللبنانى تحرك نعم، لكن بعد فوات الأوان. كان الموقف الاقتصادى والسياسى فى البلاد قد بلغ درجة من التعقيد التى لا يُجدى معها حل.
إنها المأساة القديمة المتجددة التى يعيشها اللبنانيون، والتى لم يعد يجدى معها أنصاف الحلول، أو البحث عن مسارات مؤقتة للخروج من الأزمة. على اللبنانيين أن يواصلوا السعى نحو التغيير الشامل الكامل. وجوهر التغيير يرتبط بصياغة معادلة جديدة للحكم، ولأدوار المؤسسات الحاكمة هناك. فلو كانت المؤسسات المنتخبة المسئولة عن مراقبة الأداء الحكومى تقوم بالدور المطلوب منها لما وصل الحال إلى ما هو عليه. وماذا نتوقع من مؤسسات حكم ملاكى؟