بقلم : محمود خليل
منذ اللحظة الأولى لنشأة «الإخوان» قدمها حسن البنا للمصريين وللمسلمين فى دول العالم المختلفة كأداة لإعادة «دولة الخلافة». بل وذكر فيما سطره من كتابات أن فكرة الجماعة قفزت فى ذهنه منذ عام 1924 الذى شهد سقوط الخلافة العثمانية فى تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك. وكان «البنا» من أشد الداعمين لتتويج الملك فؤاد -ومن بعده «فاروق»- بتاج الخلافة، لكن المحاولة فشلت بسبب الموقف المستنير الذى تبناه رموز العمل السياسى فى مصر من هذه المسألة بعد ثورة 1919، وعلى رأسهم مصطفى باشا النحاس. تداول فكرة الخلافة فى ذلك الحين بقى شاهداً على اهتزاز التجربة النهضوية الهادفة إلى بناء دولة مصرية كبرى التى قادها محمد على بعد أن غادر الحياة وخلف من بعده حكاماً أدوا بشكل مختلف.
لم تتمحور جماعة الإخوان وحدها حول فكرة الخلافة، بل تحلَّقت حولها جميع الجماعات المتشددة التى ظهرت فى العالم الإسلامى، وجعلتها واحدة من كبريات أفكارها الرمزية. ويمكننا القول بأن تمكُّن هذه الفكرة من مصر والمصريين هو الذى أصاب هذا البلد برجّة وهزّة عنيفة عقب إعلان إلغاء الخلافة العثمانية. أُلغيت الخلافة فى بلد المنشأ لكن بعض المصريين تمسكوا بها، فانطلقوا يبحثون عن حل للمسألة وكادوا يعلنون واحداً من ملوكهم خليفة للمسلمين، تماماً مثلما فعل الظاهر بيبرس حين استجلب أحد الأفراد الباقين من أسرة الخلافة العباسية بعد سقوطها فى بغداد على يد التتار، وبايعه كخليفة للمسلمين، وأسكنه فى مصر. ومن يراجع أدبيات الإخوان سوف يجد حجم الحفاوة والإشادة التى يقابلون بها هذا الموقف من مواقف «بيبرس»، وكثيراً ما يستدلون به على أهمية الخلافة كأصل من أصول الإسلام، وأن زوالها يفرض على الأمة ضرورة التحرك من أجل استعادتها مرة ثانية.
وتمتد حفاوة الإخوان بالمدافعين عن فكرة الخلافة إلى عدد من الرموز الوطنية فى العصر الحديث، مثل مصطفى كامل، حيث يعتبرونه واحداً من كبار المدافعين عن الخلافة العثمانية، متجاهلين السياق الذى دفع الزعيم الشاب إلى ذلك، حيث كان السياق الدولى حينذاك يفرض عليه طرح ورقة تبعية مصر للدولة العثمانية كأداة ضغط دولى على إنجلترا حتى تسحب قواتها من مصر. المسألة عند مصطفى كامل لم تكن فى إعادة مصر إلى الحظيرة العثمانية قدر ما كانت محددة فى «استقلال مصر»، لم يفهم الإخوان أن مَن يطالب باستقلال مصر عن إنجلترا سيكون أشد حرصاً عندما يسمح له السياق بذلك على تخليصها من التبعية الوهمية للدولة العثمانية.
ويتعجب المتابع لفترة سقوط الخلافة العثمانية عام 1924 عندما يلاحظ هذا التلاقى بين فكر الإخوان وفكر المسئولين بالأزهر فى المناداة بتنصيب خليفة بديل فى مصر. وهو التوجه الذى عارضه بشدة «على عبدالرازق» -أحد مشايخ الأزهر- وبلور رأيه فى المسألة فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم» وفيه دحض فكرة أن الخلافة أصل من أصول الإسلام. وكانت النتيجة طرده من الأزهر، وغضب الإخوان عليه بالطبع، لمجرد أنه ناقش الفكرة الأم التى نشأت عليها الجماعة ودحضها. وحتى يوم الناس هذا لا يزال الإخوان يؤسسون رؤيتهم على فكرة «استعادة الخلافة» حتى ولو كانت على الطراز «العثمانلى».