بقلم: د. محمود خليل
تشابه لافت تجده حاضراً بين شخصية إيرانية موغلة فى التاريخ العباسى وهى شخصية يعقوب ابن الليث الصفار وشخصية قاسم سليمانى الذى اغتاله الأمريكان منذ بضعة أيام. كلاهما نشأ نشأة بسيطة. فالصفار عمل صانعاً مع أبيه فى بلدة صفيرة من أعمال «سيستان»، وفى المقابل وُلد «سليمانى» بقرية قَنات مَلِك من أعمال بلدة «كرمان» واشتغل فى صغره عامل بناء، إذ لم يكمل تعليمه بعد الثانوية، وعمل أيضاً فى دائرة مياه بلدية كرمان. ورغم النشأة البسيطة فإن الرجلين تمتعا فى شبابهما، الأول بحضور قوى وسط الجماعة التى انتمى إليها كل منهما. فيعقوب الصفار اشتهر بين خلانه ورفاقه بالكرم الكبير، وكان ينفق ما يربحه من عمله البسيط عليهم فحظى بمكانة متميزة بينهم، ولما رأى «الصفار» تحلَّق رفاقه حوله قرر أن يشكل منهم عصابة قطاع طرق تسرق القوافل والسائرين على الطريق، لكنه كان لصاً شريفاً فكان يحسن معاملة من يسرق ماله وإذا علم أنه فقير رد عليه ما نهبه. فى المقابل تفتح شباب قاسم سليمانى على نجاح الثورة الإسلامية فى الإطاحة بنظام الشاه عام 1979 وكان من أوائل من استجابوا لدعوة الخمينى لتكوين حرس ثورى يتولى حماية المرشد الأعلى للثورة، وأثبت «سليمانى» نجاحاً واضحاً وقدرة متميزة على أداء ما يوكل إليه من مهام، وأصبح وسط رفاقه بالحرس الثورى قيادة يشار إليها بالبنان.
وكما لم يكن هناك حد يحد طموح «الصفار» كان طموح «سليمانى» بلا ضفاف. فقد نجح الصفار فى الوصول إلى منصب والى سيستان، المدينة التى كان يعمل بها عاملاً بسيطاً، لكنه طمع فى غيرها فاندفع غازياً ما حوله من ولايات مثل سمرقند وبخارى وغيرهما، واضطر الخليفة العباسى «المتوكل» إلى تثبيته على ما وضع يده عليه من ولايات خشية شوكته. أما «سليمانى» فقد علت مكانته داخل الحرس الثورى بمرور الوقت وانتقل بسرعة عبر مواقع القيادة إلى أن أصبح قائداً لفيلق القدس ويصبح رقم (2) بعد مرشد الثورة الذى يعد القائد الأول لهذا الفيلق. عاش الصفار وهو يرى نفسه واضعاً يده على الولاية بعد الأخرى من ولايات فارس لحظة ماجنة فكر فيها فى خلع الخليفة المتوكل والجلوس مكانه ليصبح إمبراطوراً للعرب والعجم، تماماً مثلما فكر «سليمانى» فى توظيف فيلق القدس كأداة للتمدد وخلق الأذرع الموالية لإيران بعدد من الدول العربية شملت اليمن والعراق وسوريا ولبنان. وليس من المستبعد أن يكون فكّر فى لحظة أن ينصب نفسه إمبراطوراً على العرب والعجم.
نهاية الصفار وسليمانى كانت واحدة، فقد قضى كلاهما فى لحظة قتال. فعندما بعث الخليفة العباسى برسالة تهديد إلى الصفار، وكان الأخير يستعد لملاقاته وحربه، لكنه تأخر بسبب إصابته بداء فى معدته، طلب من المحيطين به خبزاً وبصلاً ثم اتكأ على سيفه وقابل رسول الخليفة، وبعد أن قرأ رسالته رد على الرسول قائلاً: «أخبر مولاك أنى إذا قمت من هذا المرض فلست أرضى بغير هذا السيف حكماً بيننا، فإن انتصرت عليه علمته ما لا يعلم وإن هو انتصر علىّ فررت من وجهه وكفانى بقية العمر الخبز والبصل الذى تراه»، ومات الصفار بعد هذه الواقعة بيومين. أما «سليمانى» فقد وجه تهديداً إلى ترامب قبل اغتياله يقول له فيه: «أعلم أنه فى اللحظة التى أنت فيها عاجز عن التفكير نحن قريبون منك فى مكان لا تتصوره أبداً تعالَ نحن بانتظارك». وقد شاء الله أن يأتيه ترامب بطائراته بعد يومين ويغتاله.. فما أشبه الليلة بالبارحة!.