بقلم : محمود خليل
طال الزمان أو قصر، ستنجلى محنة كورونا عن مصر، وسوف تبقى بعض الأحداث والوقائع المتناثرة هنا وهناك شاهداً على الحالة الأخلاقية للمصريين خلال فترة تفاعل هذه الجائحة. واحدة من الوقائع المثيرة ذات الصلة بالموضوع، نشرت تفاصيلها عدة مواقع إخبارية، وتتعلق بمواطن عمره 58 عاماً أصيب بفيروس كورونا وتوفاه الله تعالى (رحمه الله). أبلغ المستشفى زوجته لتسلم جثته ودفنها، وعندما ذهبت للتنفيذ اكتشفت وجود امرأة ثانية تقف إلى جوار المتوفى، ثبت لها فى ما بعد أنها زوجته الثانية.
وقعت مشاجرة بين الزوجتين، وتدخل أولاد الحلال للفصل بينهما. رفضت الزوجة الأولى تسلم الجثة ودفنها، فما كان من أهليته إلا التدخّل ودفن المتوفى.
الواقعة تؤشر إلى حالة القسوة التى أصبحت تميز سلوك قطاع لا بأس به من المصريين. فالزوجة الأولى لم تفكر فى زوجها الذى قابل وجه ربه، ولا فى إمكانية إصابتها بفيروس كورونا بالعدوى من الزوجة الثانية، التى ثبت أنها حاملة للفيروس.كل ما همّها فى الموقف هو الثأر لنفسها وتشريد جثة زوجها وتأديب الزوجة الثانية.
أما الزوجة الثانية فقد كانت بالمستشفى لغرض آخر غير عيادة ورعاية زوجها. فقد دب القلق فى نفسها عند سماع خبر إصابته بكورونا. فذهبت إلى المستشفى لإجراء مسحة اكتشاف الفيروس، وثبت إيجابيتها، فانصرفت عن زوجها الراقد بين يدى الله، وعندما رفضت الزوجة الأولى تسلم جثته ودفنها عاركتها، ولم تأبه لعدوى غيرها بالفيروس الذى تحمله، سواء الزوجة الأولى أو أولاد الحلال الذين تدخّلوا لفض الاشتباك.
هل خُلق القسوة وما يرتبط به من قيم الأنانية والأثرة وحب الذات مؤقت بجائحة كورونا ويمكن أن يزول بعدها؟. كلنا يعلم الحقيقة، وهى أن القسوة تمكنت من قلوب البعض قبل كورونا بزمان. دخلت منذ عقود طويلة نفوس المصريين فسممت حياتهم، ووترت علاقتهم ببعضهم البعض، وأفقدت الحياة المصرية سمة تاريخية من سماتها، وهى سمة الصفح والتسامح وما يرتبط بها من التماس الأعذار للآخرين، وتقدير الظروف، ووضع الذات مكان الآخر قبل الاندفاع فى الحكم عليه.
هذه القيم التى أخذت فى الاختفاء منذ النصف الثانى من السبعينات على وجه التقريب، تسببت فى تعقيد ما سبق وكان بسيطاً فى حياة المصريين.
لو أنك راجعت على سبيل المثال فيلم مثل «حياة أو موت» فسيمنحك مؤشراً حول أخلاقيات المجتمع المصرى خلال فترة الأربعينات والخمسينات، وسيكشف لك كيف تآزر مجتمع بكل أفراده ومؤسساته من أجل إنقاذ حياة إنسان، والتعاون مع طفلته الصغيرة حتى تتمكن من الوصول بالدواء إلى أبيها.
وستفهم كيف كان يحمى أفراد المجتمع بعضهم بعضاً.قديماً كان يقال أن الأزمات تكشف أنفس وأقيم الأخلاقيات داخل المصريين، وهو قول صحيح بشرط ألا تكون هذه الأخلاقيات قد تحللت بمرور الزمن.
وواقع الحال يقول إن جائحة كورونا كشفت عدداً من العورات الأخلاقية التى كانت كامنة داخل نفوس البعض وتنتظر فرصة للوثوب إلى الخارج. شعوب أخرى كثيرة ينطبق عليها ما ينطبق على المصريين فى هذا السياق، لكن يبقى أننا لم نكن كذلك!