بقلم: د. محمود خليل
تأثر «جهيمان العتيبى» بالأفكار السلفية لـ«الألبانى» بدرجة كبيرة وآمن بـ«النظرية «المهدوية». ويفترض المؤمنون بهذه النظرية أن يشهد «آخر الزمان» خروج رجل يدعى المهدى المنتظر يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً ويعيد المسلمين إلى الإسلام الحقيقى. وليس هناك خلاف على أننا بصدد فكرة قديمة. فالكلام عن «المهدى» وتكرار الحديث عن «الإمام المجدد» الذى يعيد للأمة شبابها ما فتئ يتردد ويتكرر على ألسنة المسلمين منذ فترة مبكرة من وفاة النبى (صلى الله عليه وسلم). وفى العصر الحديث وصف الإخوان حسن البنا بـ«الإمام المجدد». ومن اللافت للنظر أنهم استدلوا على ذلك بالربط بين حديث النبى الذى يقول فيه: «يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها»، وتاريخ ميلاد حسن البنا. وربطوا بين التسمية وبين تاريخ ميلاده عام 1906 ميلادية، أى على رأس قرن ميلادى جديد (القرن العشرين)، رغم أن فهم حديث النبى فى سياقه يشير إلى أن المقصود بكلمة «القرن» هنا هو «القرن الهجرى» وليس القرن الميلادى.
ومن المهم الإشارة إلى أن جماعة الإخوان المصرية حظيت بدرجة واضحة من الحضور داخل المملكة خلال عقدى الستينات والسبعينات، وذلك بعد عقود من تفكيك جماعة الإخوان السعودية. فقد يسرت الأنظمة بالمملكة عملية استضافة من فر أو هاجر منهم إلى المملكة هرباً من سجون الستينات. وكان من أشهر هؤلاء المهاجرين الشيخ محمد قطب (شقيق سيد قطب) الذى سافر إلى المملكة العربية السعودية بعد خروجه من السجن عام 1971 وعمل بالتدريس بكلية الشريعة بمكة المكرمة. وقد استطاع من خلال كتاباته ومحاضراته أن يذيب التناقضات الصارخة بين أنصار الفكر الوهابى وأصحاب الفكر الإخوانى. ومثلت أفكار سيد قطب مساحة أساسية للقاء بين الوهابية والإخوانية. فالمزاج الوهابى -خصوصاً الإقصائى- يتناغم إلى حد ما مع المزاج القطبى، كما يتوافق المزاج القطبى مع الوهابى فى جوانب عدة. وفى الوقت الذى أعجب فيه بعض دعاة ومشايخ الوهابية بالتوليفة الجديدة التى أنتجها محمد قطب بين الوهابية والإخوانية فإن الأمر لم يرق لآخرين، لعل أبرزهم الشيخ السورى «ناصر الدين الألبانى» الذى كان يرى أن العلم والعقيدة ومحاربة البدع والضلالات مقدم على السفه السياسى الذى سقط فيه الإخوان. تأثر «جهيمان» بهذا الطرح وهاجم جماعة الإخوان فى أكثر من رسالة له، بسبب ضعف حسهم السلفى وميلهم إلى العديد من البدع والضلالات التى سقط فيها عموم المسلمين، لكنه خالف «الألبانى» -ونهج نهج الإخوان- فيما يتعلق بالبحث فى أمر شرعية السلطة والجهاد ضدها.
فى كل الأحوال كان جهيمان العتيبى أكثر سلفية من الإخوان الذين خلطوا بين الهجرى والميلادى، ولم يلتفتوا إلى الشروط الواجب توافرها فى شخص «المهدى المنتظر» كما تحددها كتب الحديث، لكنه قلدهم فى مسألة توظيف الدين فى تحقيق أهداف سياسية. لم يعلن جهيمان نفسه مهدياً منتظراً، بل أعلن رفيقه «محمد عبدالله القحطانى» مهدياً وبايعه على ذلك وبايع معه مجموعة من الشباب الذين جندهم «جهيمان» تحت راية جماعته، إعمالاً لشرط أن المهدى لا بد أن يكون اسمه «محمد» واسم أبيه «عبدالله» تماماً مثلما كان النبى وأن يكون من السلالة الشريفة لأهل بيت النبى وأن تتناغم ملامحه مع ما نصت عليه الأحاديث من أوصاف فى المهدى. دقق «جهيمان» أيضاً فى اختيار التاريخ الذى أعلن فيه عن ظهور المهدى وهو 1 محرم 1400 هجرية (الموافق 20 نوفمبر 1979).